د. مصطفى البرغوثي في مقاله:
فلسطين وشعبها أظهروا انضباطا وبسالة وشجاعة أبهرت العالم اليوم، كما أبهرته في كل الأزمات التي عشناها سابقا، وهذه فرصتنا لإظهار نفس الروح مرة أخرى
لم تواجه البشرية، منذ مائة عام وباء كالذي نعيشه اليوم مع فيروس الكورونا المستجد. ولعلها المرة الأولى التي شارك فيها شعبنا العالم بأسره ضائقة شديدة كالتي نعيشها.
فنحن معتادون على مواجهة الحصار، والإغلاق، ومنع التجول وحدنا، ومعظمنا يذكر المعاناة التي كانت تعيشها كل مدينة وقرية فلسطينية على يد الإحتلال، أيام الانتفاضة الأولى وما قبلها.
كما نتذكر حرب الخليج عام 1991 ومنع التجول الذي فرض علينا وحدنا بالقوة، واستمر ستة وثلاثين يوما، وانتهى الأمر بإنتشار وباء الحصبة بين أطفالنا بسبب وقف عمليات تطعيم الأطفال والخدمات الصحية، ومع ذلك صمدنا، ونتذكر ويتذكر الجميع الحصار ومنع التجول الذي استمر لأسابيع أيام اجتياح الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية عام 2002، وإستمرت آثاره والمعاناة منه لسنوات.
وأهل غزة، لا يتذكرون فقط، بل ما زالوا يعيشون معاناة الحصار الأسوأ المفروض عليهم منذ عام 2006، أي منذ أربعة عشر عاما، ولكنهم صامدون، ويواجهون مثل أهلنا في الداخل والقدس وباقي الضفة الغربية وباء الكورونا بشجاعة وصلابة، وقدرة على التكيف تفتقدها كثير من الشعوب العالم.
الصحفي الإسرائيلي، المعادي لسياسة حكومته، جدعون ليفي كتب مقالا عنوانه " إسرائيل تتذوق الجحيم الذي أذاقته للفلسطينيين"، حيث يعيش الإسرائيليون واقعا جديدا يعرفه، كما يقول الكاتب، كل طفل فلسطيني ويعاني منه، ولكنه بالنسبة للإسرائيليين يمثل" نهاية العالم"، حيث يفرض عليهم الإغلاق، ومنع التجول، والتجسس على هواتفهم.
وباء الكورونا المستجد، خطر على الجميع، وعلى حياة كل إنسان بغض النظر، عن عرقه وجنسه، ولذلك لا بد أن يواجه بكل ما نستطيع أن نواجهه به، وفي ظل ضعف البنية التحتية الصحية في المستشفيات لدينا بالمقارنة مع دول أخرى فإن أهم سلاح نملكه، هو الوقاية.
وقد نجحنا حتى الأن في محاصرة المرض، ولكن الأسبوعين القادمين حاسمان، بالنسبة لوقف انتشاره، وهذا يستدعي من الجميع، الكبير والصغير، الفرد والعائلة، الالتزام بقواعد الوقاية بانضباط كامل، بما في ذلك الالتزام الصارم بالحجر المنزلي أو الصحي لمن هو واجب عليهم، والتقيد بقواعد الوقاية من غسل اليدين وتقليل التنقل، ومنع التجمعات، والإلتزام بما تنص عليه نشرات الوقاية.
ولسنا بحاجة لأن يفرض علينا أي طرف خارجي قواعد الحجر حتى لو كانت حظر التنقل الكامل، لأننا كشعب ومسؤولين ومؤسسات، نتصرف بوعي كامل لمسؤولياتنا تجاه صحة أهلنا و أبنائنا، حتى لو اقتضى الأمر فرض حظر التجول ومنع تنقل شامل.
شهدنا خلال الأسبوع الماضي بعض الحوادث المؤسفة لعدم الالتزام بقواعد الحجر والتنقل، وهذا لا يليق بنا، ولا بوطنيتنا، ولا بحرصنا على حياة كل طفل، وإمراة، ورجل وشيخ، وهو أمر يجب أن لا يتكرر.
فلسطين وشعبها أظهروا انضباطا وبسالة وشجاعة أبهرت العالم اليوم، كما أبهرته في كل الأزمات التي عشناها سابقا، وهذه فرصتنا لإظهار نفس الروح مرة أخرى.
وتحية كبيرة لكل العاملين في القطاعين الصحي والأمني الملتزمين بأداء واجبهم على خط الدفاع الأول في مواجهة المرض.
بالوعي، والإنضباط، والتكافل الإجتماعي، نستطيع أن نهزم فيروس الكورونا، و سنهزمه.
* د. مصطفى البرغوثي - الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com