الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 12 / نوفمبر 22:02

الكورونا والركود الاقتصادي!!/ بقلم: د. أنس سليمان أحمد

د. أنس سليمان
نُشر: 14/04/20 11:19,  حُتلن: 15:11

جاء في مقال د. أنس سليمان أحمد:

الحالة الاقتصادية التي أحدثتها تداعيات كورونا وسلوك أسواق المال والنفط والمعادن بل على سلوك المستهلك ، يمكن تسميتها بحالة (اقتصاد الخوف Economics of Fear) والتي يمكن تفسيرها ضمن منظور الاقتصاد السلوكي

يستمر فيروس كورونا في التفشي وبثّ الخوف عالمياً، فقد انتقل مركز الإصابة بفيروس كورونا، من آسيا إلى أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط كالإعصار، جالباً معه ارتفاعاً في عدد المصابين والموتى والضرر الاقتصادي، في الوقت الذي استطاعت فيه الصين حصاره والحد من انتشاره.

بعد مرور عدة أسابيع تتسم بالتشوش، بدا فيها قادة الدول الأوروبية والعالمية غير قادرين على الوصول إلى استجابة مشتركة للكارثة، التي ضربت قطاع الصحة وثقة المستهلك والأسواق المالية في آنٍ واحد.
فقد قدّم علم الاقتصاد السلوكي تفسيرات كثيرة لما قد يخفق فيه الاقتصاد وقادة الدول، فباعتماده على علم النفس، فإنه يقدم تفسيرات لبعض الحالات الاستثنائية التي قد يتعطل فيها عمل النظام الاقتصادي الرأسمالي السائد حاليا.

فالحالة الاقتصادية التي أحدثتها تداعيات كورونا وسلوك أسواق المال والنفط والمعادن بل على سلوك المستهلك ، يمكن تسميتها بحالة (اقتصاد الخوف Economics of Fear) والتي يمكن تفسيرها ضمن منظور الاقتصاد السلوكي.

وهذا الأمر يقودنا إلى القول أنه من الطبيعي في مثل هذه الظروف، أن يصيب الركود الاقتصادي، ليس فقط اقتصاد الولايات المتّحدة، أو اقتصاديات أوروبا، بل اقتصادات العالم أجمع، حيث تضعف الحركة وتتوقف معظم الأنشطة التجارية، باستثناء القطاع الطبي .
فحجم إستمرار التأثير الاقتصادي لا يمكن معرفته، وذلك مثل الشخص السليم المصاب بالأنفلونزا الموسمية، الذي يعاني من وضع سيء مع الإقرار حتماً سينتهي ، ولكن السؤال كيف ستنتهي تأثرات الأنفلونزا عليه؟ فإذا كان مرضه قصير وحاد بالطبع سيبدو على شكل حرف ""v ويخرج من مرضه بأقل خسارة، أما إذا أخذ مرض الأنفلونزا لهذا الشخص ينتشر ويطول فسيبدو كما هو حرف "U" معنى ذلك أن مرضه سيطول وربما سيؤول به إلى ربه .
وكذا هو الواقع الاقتصادي، بالضبط هو شبيه بمريض الأنفلونزا، ويمكن أن تكون الأزمة الاقتصادية قد أخذت منحى شكل حرف "V" ، فإن الاقتصاد الدولي سيكون في فترة ركود، لكنها لن تطول، والأسواق والصناعات والتجارات ستستعيد عافيتها من الجيد وبسرعة، وقد يكون سبب هذا الشفاء السريع، أن المستهلكين ونتيجة السياسات المتبعة في أغلب دول العالم، التي تفرض حظر تجوال أو تغلق المحال التجارية والمطاعم وأماكن الترفيه، سيزداد الطلب عليها بشكل كبير للغاية بمجرد الانتهاء من فيروس كورونا، وعليه وفق هذا الإنعكاس سيكون انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، ولكنه مؤقت متبوع بانتعاش سريع.
أما إذا أخذ الواقع الاقتصادي، منحى شكل "U" وهذا سيناريو من الممكن أن يؤول إليه الاقتصاد، وهذا يعني أن الاقتصاد الدولي سيبقى فترة طويلة في القاع، حيث التوقف عن العمل وزيادة معدلات البطالة، بمعنى أن المستهلكين لن تتوفر معهم السيولة النقدية الكافية لتلبية احتياجاتهم ما بعد أزمة فيروس كورونا ومن ثم لن يكون لديهم قدرة حقيقية على إنعاش الاقتصاد.
والناظر إلى الواقع الاقتصاد الأوروبي أو الأمريكي أو العربي، يجد صعوبة في تقدير الآثار السلبية على الاقتصادات حول العالم، حيث أن الأزمة في الحقيقة عند بداياتها ، ولا يعلم وقت انجلاء مخاطرها لعدم التوصل إلى لقاح طبي للفيروس من جهة، ولعدم تقدير المستتبعات السلبية الاقتصادية على العالم أجمع، خاصة أن عدم وجود لقاح لهذا الفيروس ستلجأ عبر العزل وتوقف نشاطات عديد من القطاعات الإنتاجية للحد من إنتشاره.
لكن السؤال المطروح اليوم هل الدول الأوروبية وأمريكا والدول العربية قادرة على إتخاذ ما يتطلبه الأمر لتعويض المستتبعات الاقتصادية الناتجة عن وضع عشرات الملايين من البشر قيد العزل بسبب الخوف القائم ؟
والسؤال الآخر المطروح وبقوة ما هي التكلفة الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية، لطول أمد هذه الإجراءات العالمية، على كل البشر؟
هذا الفيروس مختلف من الناحية الإقتصادية عن الأوبئة التي كانت عبر التاريخ ، بسبب أن فيروس كورونا ضرب دولاً مهيمنة على الاقتصاد العالمي، حيث تشمل مجموعة الدول الصناعية السبع G7 ، فإذا أخذنا فقط الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، نجد أنهم يمثلون 60% من العرض والطلب (الناتج المحلي الإجمالي) ، و 65% من التصنيع العالمي و 41% من الصادرات الصناعية العالمية.
كما وسجلت الأسواق العالمية خسائر تجاوزت 10 ترليون دولار، وقد أكد منظمة العمل الدولية أن 25 مليون شخص في العالم مهددين بفقد فور لوظائفهم .
علاوة على خسارة القطاع السياحي الذي تعرّض لخسائر فادحة بسبب الانتشار السريع لفيروس كورونا في أكثر من 180 دولة حول العالم، حيث أن قطاع السياحة والسفر أتاح حوالي 319 مليون وظيفة في العالم أي حوالي 10% من مجمل الوظائف العالمية ، هذا يعني أن الموظفين والعاملين تضرروا من حيث فقدهم لأماكن عملهم ، إذ تقدر خسائر السياحة في العالم حتى اليوم إلى أكثر من 50 مليار دولار وقد تصل الخسارة إلى 100 مليار دولار إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم .
أما اتحاد النقل الجوي الدولي (اياتا) والذي يمثل 290 شركة طيران مما يمثل 82% من إجمالي الرحلات العالمية، توقع أن يخسر قطاع الطيران إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم 252 مليار دولار من عائداته هذا العام.
عند نظرنا إلى خريطة الخسائر الاقتصادية لهذه الدول لوجدنا أنها أشبه بالكارثية، فبالنظر إلى خسائر وإنهيار السوق المالي في أمريكا نرى أن ذلك قد أفضى إلى خسائر إستثمارية بنحو تريليون دولار لصناديق التقاعد العامة في أمريكا ، علاوة على دخول أكثر من 6 مليون أمريكي على سوق العطالة عن العمل كما هو متوقع.
كما أن بنك JPMorgan Chase Bank, N.A الأمريكي وهو أكبر بنك في الولايات المتحدة من حيث الأصول، يعلن عن إغلاق 1000 فرع من أصل 5000 فرع في أمريكا، والعمل على تقليل عدد الموظفين كل ذلك بسبب فيروس كورونا .
كما وانهار بنكاً صغيرا في فيرجينيا الغربية باسم THE FIRST STSE BANK والذي تقدر أصوله المالية بـ 152 مليون دولار
أما الاقتصاد البريطاني فإنه ينكمش بوتيرة قياسية، إذ وصلت وتيرة إنكماشه الفصلية ما بين 1.5% و 2%، وهذا الأمر أفضى إلى أن أغلقت الشركات أبوابها في شتى أنحاء قطاع الخدمات، وقد حذر الخبراء أن الاقتصاد البريطاني سيخسر أكثر من 2.4 مليار جنيه إسترليني كل يوم ، كما ان إنتاج بريطانيا انخفض في 31%.
حيث يتوقع الاقتصاديون أن ينكمش الاقتصاد البريطاني نحو 10% في الأشهر الثلاثة القادمة، وهذا الأمر دعا شركة " John Lewis Partnership " البريطانية المنتشرة في 50 فرعا، عن إغلاق جميع متاجرها للمرة الأولى منذ افتتاحها في العام 1864م ، بسبب مستتبعات فيروس كورونا .
علاوة على ذلك أعلن في بريطانيا عن انهيار شركة الطيران البريطانية " Flybe " إذ سرحت نحو 2300 شخص من وظائفهم ، في حين يتوقع أن يصل طابور العاطلين عن العمل في بريطانيا إلى 3 مليون شخص.
أما الاقتصاد الألماني فقد يتقلص بنسبة تراوح بين 7.2 و20.6 نقطة مئوية، بحسب الخبراء، أي ما يعادل 225 مليارا إلى 729 مليار يورو، كما توقع معهد "إيفو" الألماني للبحوث الاقتصادية أن تتكبد ألمانيا خسائر تزيد على نصف تريليون يورو جراء فيروس كورونا.
كما أن سوق العمل تكبد وسيتكبد خسائر كبيرة بسبب الأزمة إذ أنه قد يفقد نحو 1.8 مليون وظيفته، وإجبار أكثر من ستة ملايين شخص على العمل بدوام جزئي.
كما وتراجعت أرباح شركة Daimler AG الألمانية لصناعة السيارات، بصورة كبيرة، وتعمل على إيقاف إنتاجها ، كذلك شركة Volkswagen، أعلنت على تعليق إنتاجها أيضا .
كما أن النرويج تعاني إقتصادياً وبصورة واضحة من جراء فيروس كورونا، حيث أن صندوق الثروة السيادية النرويجي البالغ حجمه 930 مليار دولار وهو الأكبر في العالم اليوم تكبد خسارة 124 مليار دولار وبلغت الخسائر منذ بداية العام في محفظة استثمارات الصندوق 16.2 %.
وعليه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه الآن لمدة 6 أشهر، فإن كثيرا من الشركات سوف تعلن إفلاسها، وقد نكون وجها لوجه أمام انهيار اقتصادي عالمي، وهذا يفرض على الدول التدخل وضخ اموال في الأسواق بمئات مليارات الدولارات.
فاقتصادنا يعيش في هذه الفترة ما بين كساد وغلاء بنفس الوقت، وهذا أمر ليس من ديناميكية وقواعد النظام الاقتصاد وهو قلّ ما قد يحل ، لكن هذا الأمر بالطبع بدأ نتاجه يظهر في الأسواق التجارية الأوروبية والأمريكية، في الوقت يبدأ وتبدأ فيه الحكومات بضخ أموال للتداول بسرعة كبيرة، وبمبالغ هائلة.
ومن هنا لا بد من دعوة الدول ككل ان لا تعالج تلك الأزمة بعشوائية، بل لا بد لها من تخطيط واضح وملموس بشفافية كاملة لمواجهة الأزمة، مع وضع سيناريوهات للمواجهة في الأجل القصير والأجل المتوسط والأجل الطويل. فلا يوجد للآن تنبؤ واضح يعكس متى تنتهي هذه الأزمة التي تفتك بالإنسان والاقتصاد.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة

.