فترة طويلة قد مرت تجاوزت الشهر حتى مللت العد وتوقف الزمان، انا تلك الفتاة التي اعتادت على زيارات نهاية الأسبوع العائلية والقروية بعيدا عن ضغوط المدينة، لست في رحلة صيفية حول العالم ولا في بعثة تعليمية في الخارج كما كنت احلم من قبل، انما اعمل في وظيفة حيوية وحساسة جعلتني الازم مكان العمل لا البيت كما الكثيرين في هذه الاثناء
تأكدت ان قيمة الانسان تقاس بالأساس بقدرته على التفكير، العمل، الانتاج وبدرجة التضحية لغيره من البشر
اتضح ايضا ان العمل في القطاع الحيوي نعمة ونقمة بذات الوقت، خاصة عند الحديث عن العمل في مجال الصحافة، الذي تحول الى ساحة حرب رغم فتور المعارك الدموية حاليا
فبسبب فيروس كورونا هرعت الأمم المتحدة لتحرير اتفاقيات "عن جنب وطرف" لوقف إطلاق النار لعلها تمنح الجهات المتحاربة الراحة لمواصلة حربهم بعد القضاء على عدو العالم المشترك
عدو مجهول وغير ملموس لكن نتائجه مرعبة
في سنة2020 أصبح فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة من عائلة كورونا واسمه كوفيد -19 يهدد دول العالم
في الحقيقة ان البشرية غير معتادة على تواجد طرف خارجي ثالث، يفتك بها ويهددها فلقد تكفل البشر بهذه المهمة منذ الازل
يعتقد البعض ان الفيروس الصغير ساهم بشكل نسبي بوقف الحروب الكبرى مؤقتا لكنه منعني من رؤية جدتي لحمايتها
البعد الاجتماعي أصبح علاجا حاليا للحد من انتشار هذا الوباء
جدتي والتي لطالما تعاملت معها على انها اقوى نساء العالم متجاهلة ضعف قلبها ونسبة السكر في دمها، أخاف عليها اليوم من نفسي، أخاف عليها أكثر من أي شيء في العالم
فيروس صغير استطاع إبعاد الحفيدة عن جدتها بل وعن جميع عائلتها
ما أضعف الانسان امام قدرة الطبيعة وعظمة الخالق
ما أضعفنا عندما يفرض علينا الانشغال بأنفسنا٫ نموت نفسيا من الملل
أصبحت احادثها هاتفيا، نتناقش في شتى المواضيع، تساعدني على اختيار واعداد وجبة طعامي ففي اليوم التالي ينتظرني نهار عمل شاق مليء بأخبار عدو العالم كوفيد -19
على الاعتراف رغم نفوري من اجراء المكالمات الهاتفية الا ان هذا الحديث لم يكن ممكنا في حياتنا الطبيعية السابقة لكورونا، فبيت جدتي ككل يوم جمعة يعج بضجيج الاحفاد وبثرثرة الخالات
وبالحديث عن جدتي التي انجبت نقطة ضعفي الا وهي امي
امي لا تكف عن مطالبتي بالتنازل عن العمل، تعتقد بأنني أفضل العمل عليها، هل هذه مشاعر الغيرة الممزوجة بالمحافظة على صحتي يا امي؟
لا اعتقد بأنك قمت بتربية ابنتك على الاستسلام والهرب من ساحة المعركة حتى لو ان العدو غير مرئي ولكنه شبه معروف على الأقل
اعلم ان مجال الصحافة والاعلام لا يتلقى التصفيق الحار من الشرفات او ذلك الاهتمام، خاصة في حالة الطوارئ التي نعيشها الان ففي الحقيقة للأهمية درجات
فمقدمي الاخبار، مراسليها ومنتجيها لن يتوصلوا للقاح ولن يقوموا بتركيب جهاز تنفس لمريض لا سمح الله مع ذلك علينا معرفة انهم جزء من جنود الصف الامامي في هذه المعركة وعليهم الصمود، لمواصلة تعقب هذا العدو الذي يحرز تقدما على البشر بالوقت الحالي
وبدوركم عليكم الانصياع لما يتم تناقله من التعليمات لعلنا نعود لأحضان عائلاتنا منتصرين غير خائفين من عدو خفي ارهب العالم بأسره
"أما حتى الان فإني أخاف عليهم من نفسي ومن عدو العالم "
دمتم سالمين