من بين اعتداءات المستوطنين على فلسطينيّين لم يحظ بتغطية واسعة في وسائل الإعلام سوى ذلك الذي حدث في "متسوكي دَرْجوت"، في منطقة البحر الميت، حيث تعرّض فلسطينيّون، بينهم سيدة من عرب النقب، لاعتداء إضافة إلى حرق سياراتهم على يد مجموعة من المستوطنين. لكنّ هذه الحادثة لم تكن سوى واحدة من 8 اعتداءات جسديّة تعرّض لها فلسطينيّون خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نيسان الذي تفاقمت خلاله آفة عُنف المستوطنين بشكل حادّ في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة.
وتقول منظمة بتسيلم في تقرير موسع لها حول هذه القضية، وصل إلى "كل العرب"، إنّه منذ اندلعت أزمة الكورونا تفاقم عُنف المستوطنين في خدمة الدّولة ضدّ الفلسطينيّين في أنحاء الضفّة الغربيّة رغم تقييد الحركة والإغلاقات وسلسلة إجراءات العزل الاجتماعيّ المشدّدة التي اتّخذتها إسرائيل. وثّقت بتسيلم23 هجوماً شنّه مستوطنون في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نيسان (حتى 22.4) استمراراً لهجمات شهر آذار التي بلغت 23 وفق ما وثّقت بتسيلم ومنها 11 حدثت في النّصف الثاني منه بعد أن كانت إسرائيل قد فرضت قيوداً مشدّدة على الحركة والتّجمهُر. لأجل المقارنة بلغ عدد الهجمات الموثقة 11 خلال شهر كانون الثاني و12 خلال شهر شباط. تشمل هذه الهجمات اعتداءات جسديّة بالغة القسوة استخدم المستوطنين خلالها الهراوات والبلطات والصّادمات الكهربائيّة والحجارة والكلاب وأحياناً كان جزء من المهاجمين يحمل سلاحاً ناريّاً. هذا إضافة إلى إتلاف الممتلكات بما يشمل مهاجمة منازل وإتلاف وإحراق سيّارات وإتلاف واقتلاع أشجار ومزروعات أخرى وسرقة مواشٍ.
تعمّ آفة عُنف المستوطنين جميع أنحاء الضفّة الغربيّة ولكنّها تبرز على وجه خاصّ في عدد من المحاور: المنطقة المجاورة لـ"مزرعة معون" في تلال جنوب الخليل والتي جرى توسيعها مؤخّراً؛ منطقة "شيلا" وكتلة البؤر الاستيطانيّة المحيطة بها والتي تطال هجمات مستوطنيها القرى الفلسطينيّة المغيّر وترمسعيّا وقريوث وقُصرة وغيرها؛ وكذلك المناطق المجاورة لمستوطنة "حلميش" التي أقيمت قربها مؤخّراً بؤرة استيطانيّة جديدة. وهناك اعتداءات لم تشملها المعطيات أعلاه حيث يضيّق المستوطنون على الرّعاة والمزارعين الفلسطينيّين في مناطق الأغوار القريبة من مستوطنات "ريمونيم" و"كوخاف هشاحر" كما في تلال جنوب الخليل. هذا إضافة إلى أنّ المستوطنين يسوقون قطعان أبقارهم وأغنامهم للرّعي في حقول زراعيّة يفلحها فلسطينيّون وخاصّة في منطقة الأغوار وهذا أيضاً يحدث يوميّاً.
تناولت وسائل الإعلام بتوسّع حادثة اعتداء على فلسطينيّين في "متسوكي دَرْجوت" (في منطقة البحر الميت) وإحراق سيّاراتهم على يد ثلّة مستوطنين جلبتهم السّلطات إلى المكان في 13 نيسان؛ لكنّ هذه الحادثة لم تكن سوى واحدة من 8 اعتداءات جسديّة تعرّض لها فلسطينيّون خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نيسان. واحدة من أكثر هذه الاعتداءات وحشيّة تعرّض لها فلسطينيّون من مخيّم الجلزّون بعد أيّام عدّة، في 16.4، حين خرج عيسى قطاش وشقيقه موسى مع عائلتيهما في نزهة إلى أراضيهم الواقعة في منطقة قرية جيبيا واعتدى عليهم مستوطنون بالضرب الوحشيّ ممّا استدعى إخلاء الشقيقين للعلاج الطبّي. استمرّ المستوطنون في ضرب عيسى قطاش لفترة طويلة حتى صدعوا عظم ساقه وكسروا اثنتين من أسنانه الأماميّة. ولأنّ المستوطنين بصقوا عليه أيضاً أرسلته السّلطة الفلسطينيّة إلى العزل الصحّي خشية أن يكون قد تعرّض أيضاً لعدوى الكورونا ممّا أجبره على معاناة آثار الاعتداء الصّادم وحيداً بعيداً عن أفراد أسرته. في 21 نيسان أخلي سبيله من منشأة العزل الصحّي ويستكمل فترة العزل في منزله.
ويصف عيسى قطاش في إفادة أدلى بها في 18 نيسان أمام باحث بتسيلم الميدانيّ إياد حدّاد لحظات الرّعب التي مرّت به: "بالكاد تمكّنت من حماية رأسي ووجهي من الضربات. تلقّيت ضربة قويّة على فمي وأحسست أنّ أسناني الأماميّة قد تحطّمت. أحسست الدماء تنزف داخل فمي وعلى وجهي. كنت أصرخ وأستغيث: "حبّاً بألله، ماذا فعلت لكم، ألا توجد في قلوبكم رحمة؟ أنتم تقتلونني، ارحموني!"؛ لكنّ أحداً لم يستمع إليّ. في هذه المرحلة، عندما انهرت وخارت قواي تماماً كبّلوا يديّ خلف ظهري بواسطة حبل ثمّ صوّب مستوطن سلاحه نحو رأسي وسحب الزناد وكأنّه يريد إطلاق الرّصاص على رأسي. عندئذٍ صرت أردّد الشهادتين لأنّني أدركت أنّني على وشك أن أموت".
ويتابع قائلا: "واصل المستوطنون ضربي وشتمي والتهديد بقتلي. في لحظة ما رفعوني عن الأرض وبصعوبة شديدة تمكّنت من الوقوف على رجليّ. أحسست أنّ ساقي اليسرى مكسورة، ولكنّهم أجبروني على المشي. كنت أعرج وهم يقتادونني بين المزروعات ثم الصخور والأشواك. من حين لحين كنت أقع أرضاً فيرفعوني المستوطنون ويُكملون دفعي رغماً عنّي. كنت في حالة يُرثى لها: الدم ينزف من فمي؛ انتفاخ عينيّ يزداد مع كلّ خطوة أخطوها حتى أنّني بالكاد استطعت أن أفتحهما؛ حلقي كان جافّاً وشعرت أنّني سأموت من العطش؛ ونفسيّاً كنت محطّماً. كنت في حالة صعبة جدّاً. ألله وحده يعلم. طوال الطريق كانوا يواصلون شتمي وضربي - لطماً ولكماً، وكذلك بصقوا عليّ".
ما عدا الاعتداءات الجسديّة تضمّنت معظم الهجمات العنيفة الأخرى التي شنّها المستوطنون خلال شهر نيسان طرد مزارعين ورُعاة بالقوّة، منع الدخول إلى الأراضي وإلحاق أضرار بالمزروعات. في ما مضى من شهر نيسان حتى الآن أتلف المستوطنون مئات الأشجار: ما يقارب 180 شجرة زيتون في أراضي قريتي ترمسعيّا والمغيّر ونحو 30 شجرة في قريوث ونحو 50 في راس كركر ونحو 15 في التواني ومئات الأشجار والأغراس الأخرى في أراضي قرية الخضر. هذا العُنف جزء من استراتيجيّة ينفّذها المستوطنون والسّلطات يداً بيد وبمنهجيّة دؤوبة حيث الهدف هو دحر الفلسطينيّين دونماً بعد دونم عن الأراضي التي يفلحونها أو يرعون فيها مواشيهم والاستيلاء عليها حقلاً حقلاً، كرماً كرماً ومرعىً مرعى. هكذا تنقل الدولة وسيلة رزق ومعيشة شعب إلى أيدي شعب آخر. عُنف المستوطنين هو الذراع الخاصّة غير الرسميّة التي تستخدمها الدّولة لكي تحقّق بالتدريج هذا الهدف.
وتقول منظمة بتسيلم الإسرائيلية: الدّعم المطلق الذي تمنحه الدولة لعُنف المستوطنين ينعكس على أرض الواقع في ممارسات قوّات الأمن. خمسة من الهجمات الثمانية خلال شهر آذار على منازل فلسطينيّين تواجد خلالها جنود أتاحوا للمستوطنين أن يفعلوا ما يحلو لهم وانشغلوا في إبعاد الأهالي بالذّات رغم أنّهم خرجوا لحماية منازلهم وعائلاتهم. على الأقلّ في ثلاثة من الهجمات أطلق الجنود نحو الأهالي قنابل الغاز المسيل للدّموع وفي حالات أخرى اعتقلوا عدداً من الأهالي. وفي ثلاث حالات رافق جنود المستوطنين المهاجمين أو انضمّوا إليهم في بداية الهجوم. وفي هجمات حدثت خلال شهر نيسان أيضاً أطلق جنود نحو السكّان الفلسطينيّين الرّصاص المعدنيّ المغلّف بالمطّاط وقنابل الغاز المسيل للدّموع - هذا ما فعلوه في 6 نيسان خلال هجومين شنّهما مستوطنون على قريتي قصرة والشيوخ. كذلك امتنع الجنود عن تقديم أيّ علاج طبّي لعيسى قطاش الذي سلّمه المستوطنون إليهم بعد الاعتداء عليه وعلى أخيه؛ كما ولم يساعدوه في العودة إلى أسرته. هم تركوه بكلّ بساطة في أحد الحقول رغم الصدع في عظم ساقه.
تتيح إسرائيل للمستوطنين ضمن السياسة التي تتّبعها منذ سنين طويلة أن يشنّوا الهجمات على الفلسطينيّين في المناطق المحتلّة ويتلفوا ممتلكاتهم دون أيّ رادع. ضمن ذلك يحمي الجنود المستوطنين المعتدين وأحياناً يشاركون فعليّاً في هذه الاعتداءات. أمّا الشرطة من جانبها فتمتنع عن إنفاذ القانون بحقّ المتورّطين في ارتكاب جرائم ضدّ الفلسطينيّين. أيضاً سلوك الشرطة هذا يندرج ضمن استراتيجيّة إسرائيل الرّامية إلى الاستيلاء على أراضي الضفّة الغربيّة ومواردها من خلال تشجيع إقصاء الفلسطينيّين عن المزيد والمزيد من مناطق الضفة الغربيّة. حقيقة أنّ هذا الوضع يستمرّ بل ويتفاقم في حين تعصف بالعالم كلّه أزمة صحّيّة غير مسبوقة يضفي بُعداً آخر على وحشيّة سياسة إسرائيل.