في تحليلات سابقة، قدمت براهين لا تقبل الشك على عدم وجود فرق بين نتنياهو زعيم اليمين في إسرائيل وبين غانتس الذي يدعي زوراً وبهتاناً أنه ضد نتنياهو. وذكرت أن الأمر عندما يتعلق بإسرائيل يتفق اليمين واليسار والوسط بكل أشكالهم، وبالتالي فإن " الدجاجة لا تستغني عن...."
قلنا أيضاً لمن يهمه الأمر، أن غانتس مخادع ومراوغ، ولكن لم يصل كلامنا إلى آذان من رشحوا غانتس لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. وها هي التطورات تثبت صحة تحليلاتنا. على كل حال فإن ما حدث في تركيبة الحكومة الإسرائيلية لم يكن مفاجئاً، لأن الهدف الوحيد لغانتس هو كرسي رئاسة الحكومة ولا يهمه غير ذلك أبداً. يقولون أن غانتس خدع العرب، أو بصياغة أصح خدع "القائمة المشتركة" لعدم تنفيذ ما وعد به. أليس ذلك مضحكاً؟ أليس من الغباء تصديق جنرال قاتل للفلسطينيين؟ أليس من السذاجة تصديق جنرال كثيراً ما أعلن عن مواقف ضد العرب بشكل عام؟
أعضاء "المشتركة" وقعوا اتفاقاً مع غانتس للحد من سيطرة اليمين على الكنيست. والذي حصل يا سادة هو العكس تماماً. لا تقولوا أن غانتس خدعكم، بالله عليكم لا تفولوها، وكان عليكم من البداية أن تعوا جيداً لما تفعلوه، وأن تعرفوا بحكم خبرة البعض منكم أن غانتس لا يمكن أن يفعل أي شيء فيه مصلحة للعرب. وما حصل هو برهان على ذلك.
خلال المشاورات لتشكيل الحكومة، كان غانتس أمام احتمالين: أولهما، التوقيع على اتفاق مع نتنياهو لتشكيل الحكومة أياً كانت صفتها، وهذا طبعاً لصالح غانتس كونه سيتقاسم " كعكة " رئاسة الحكومة مناصفة مع نتنياهو وسيتحول بعد سنة ونصف إلى رئيس حكومة إسرائيل، وثانيهما، الذهاب إلى انتخابات رابعة وهذا ليس لمصلحة غانتس لأن كافة الإسنطلاعات أظهرت أنه سيكون الخاسر أمام نتنياهو، وبالتالي سيضيع من أمامه منصب رئاسة الحكومة.
التوافقات الأخيرة على تشكيلة الحكومة الإسرائيلية بين بنيامين نتنياهو كزعيم لقوى اليمين، والجنرال بيني جانتس كزعيم للمعارضة (؟!)، يعني في المفهوم السياسي تراجع مدمر لجانتس عن مباديء قائمة (كاحول ـ لافان)، وضرب أحزاب المعارضة التي تحالفت معه قبل وبعد الانتخابات التشريعية للكنيست. القائمة المذكورة تفككت ولم يبق منها إلا إسمها وحزب "مناعة لإٍسرائيل" الذي أسسه غانتس مع جنرالات آخرين مثل الجنرال جابي اشكنازي رئيس الأركان الأسبق للجيش الإسرائيلي.
لكن في المقابل، فإن نتنياهو هو الرابح في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. فقد ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: الأول تمكنه من فكفكة قائمة كاحول ــــ لافان والتي لم تقم لها قيامة بعد الآن، والثاني إبعاد محاكمته بتهم الفساد إلى أجل غير مسمى والثالث البقاء في رئاسة الحكومة، وهذه الإنجازات الثلاثة لم يكن ليحلم بها نتنياهو لولا تراجع غانتس عن مواقفه.
الواضح أن نتنياهو نفذ كل ما وعد به ناخبيه والقوى المتحالفة معه (حزب شاس + حزب يهوديت هتوراه + حزب يمينا)، أما غانتس فعمل عكس ذلك تماماً. فقد خرق ما تم التوافق عليه مع حلفائه مثل عدم الانضمام لحكومة برئاسة نتنياهو، وتعديل قانون القومية، وضم لمناطق في الضفة الغربية مشروط بموافقة دولية، ومحاربة الفساد ولذلك يرى محللون اسرائيليون أن "جانتس وقَّعَ على براءة نتنياهو".
صحيفة "هآرتس" ذكرت في افتتاحية لها حول تشكيل الحكومة، أن جندياً جديداً انضم إلى حزب الليكود (في إشارة منها إلى غانتس) . وأكدت الصحيفة في افتتاحيتها:" "صحيح أن غانتس حصل على رزمة من المناصب، غير أنه يعرف جيداً أن نتنياهو ورفاقه في معسكر اليمين سيفعلون كل ما يستطيعون كي يواصلوا قضم أجهزة القضاء، انطلاقاً من الإيمان بأن الديمقراطية تعتمد على حكم الغالبية، وأن حقوق الأقليات والمساواة المدنية هي شعارات عديمة القيمة والوزن".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com