الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية، وللإعلام قدرة على قلب المزاج، وتغيير المواقف، وللإعلام قدرة على تأسيس قواعد فكرية لا تلبث أن تصير قواعد عسكرية واقتصادية لها السطوة والسلطان، لذلك خصصت الدول والحكومات جزءاً مهماً من ميزانيتها للإعلام، بهدف تسويق أفكارها، ونشر سياستها التي تخدم مصالحها.
ضمن الحرب الإعلامية الهادفة إلى تحطيم معنويات الإنسان العربي، والتشكيك بوفائه لوطنه، وضمن حملة التسويق للأكاذيب الإسرائيلية عن حال العرب الذي لن ينصلح إلا بالتعاون مع الإسرائيليين، جاءت المسلسلات الرمضانية التي توافق هوى بعض الأنظمة العربية التي رهنت بقائها باستقرار وتوسع الاحتلال الإسرائيلي.
مسلسل أم هارون يروج لأكذوبة اللاجئين اليهود الذين كانوا جزءاً من حياة الجزيرة العربية، وما زالت لهم حقوق لا تنتهي بالتقادم، وقد تمت مصادرتها، ولليهود الحق باستردادها، ولن تقبل السياسة الإسرائيلية بحقوق اللاجئين الفلسطينيين عوضاً لحقوق اللاجئين اليهود ذوي الثراء الفاحش، والتي تتجاوز مئة مليار دولار كما يزعمون.
إسرائيل التي انتصرت بمسلسل أم هارون على الرواية العربية، وغضبت لمسلسل النهاية، تصفق وترقص لمسلسل "مخرج7"، حين يظهر الممثل ناصر القصبي وهو يروج للتطبيع، ويقول: إنه ينوي توسيع أعماله التجارية والتعاون مع إسرائيليين!
وكأن التعاون مع الإسرائيليين بوابة التوسع بالأعمال التجارية، والمدخل للتوسع في الربح والاستثمار، وكأن لا مجال للاستقرار الاقتصادي للشعوب العربية إلا بالتعاون وتبادل المنافع مع الإسرائيليين، وكأن إسرائيل هي نقطة ارتكاز وتطور وحياة الشعوب العربية!
هذه المشاهد التي تم تصويرها في دولة الإمارات العربية، وتقوم بنشرها فضائية "إم بي سي"، المدعومة من السعودية، تعكس التوجه السياسي للأنظمة الحاكمة، والتي بكل بتأكيد تخالف مشاعر الشعوب في الجزيرة العربية، الشعوب التي عبرت من خلال محطات التواصل الاجتماعي عن رفضها لكافة أشكال التطبيع، وتستنكر سجن ومحاكمة بعض الفلسطينيين الذين قاموا بجمع التبرعات للقضية الفلسطينية ولأهل غزة، وتحتقر الأصوات المأجورة التي تهاجم الشعب الفلسطيني، وتبرئ الصهاينة من جرائمهم.
الغزوة الصهيونية لا تستهدف أرض فلسطين فحسب، الصهاينة يستهدفون أرض العرب وثرواتهم، وهذا ما وثقته الاعتداءات الإسرائيلية التي تخطت أرض فلسطين حين قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي سنة 1980، وحين قصفت الطائرات الإسرائيلية ارض السودان ولبنان وسوريا ومصر وحتى أرض تونس ودول الخليج التي صارت مسرحاً للعدوان الإسرائيلي السافر، واليوم تصل التدخلات الإسرائيلية في شؤون العرب حد السيطرة على فضائهم الإعلامي من خلال أم بي سي وغيرها من فضائيات الردح للفلسطينيين.
لقد احتلت إسرائيل أرض فلسطين وهي تحلم بإقامة إمبراطورية تهيمن على كل المنطقة، ولا حياة لهذه الإمبراطورية دون الارتكاز على كتف الفلسطينيين، بإقامة العلاقات المشبوهة معهم، علاقات سمحت لإسرائيل بالنفاذ من خلالها إلى بقية البلاد العربية، وهذا ما يجب أن تدركه القيادة الفلسطينية فوراً، وأن تعالج أمرها قبل أن تنبس بكلمة واحدة عن المطبعين العرب.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com