المحامي مراد خالد خوري في مقاله:
نشهد، في هذه الأيام، ظاهرة خرق اتفاقيات وعقود من قبل عدد لا يستهان به من الهيئات، والشركات أو أفراد
بموجب القانون الحالي، وباء الكورونا، بما في ذلك مرض أو تلوث ناجم عن أي فيروس اّخر، لا يعتبر قوى عليا
إن الحاجة الملحة لحماية الأطراف في الاتفاقيات، من وجهة نظري، تقتضي تعديلا في نص القانون الذي يتعلق بتعريف مصطلح " قوى عليا" أو " قوى قاهرة".
فرض تفشي فيروس الكورونا واقعًا جديدًا في حياتنا، فظهرت تساؤلات ومعضلات تتعلق بالالتزام بالعقود والاتفاقيات الموقعة قبل تفاقم الأزمة وذلك من الجانب القضائي.
في أعقاب الأزمة، هناك الكثير ممن يجدون صعوبة في التزاماتهم وفق العقود والاتفاقيات التي ابرمت مسبقا. فترى العديد من المستأجرين يتخبط في شرعية تجميد المدفوعات، كأجرة السكن أو إيجار المحلات التجارية بذريعة " قوى عليا" تحول بينهم وبين القدرة على مزاولة العمل، أو ما هي الحقوق التي ينص عليها القانون في مثل هذه الظروف.
هل من الممكن اعتبار وباء الكورونا "قوى عليا" تبيح خرق عقد أو اتفاقية؟
نشهد، في هذه الأيام، ظاهرة خرق اتفاقيات وعقود من قبل عدد لا يستهان به من الهيئات، والشركات أو أفراد. على ما يبدو، نتيجة للظروف التي تحول دون أيا من الطرفين، الالتزام بكامل بنود العقد أو جزء منه.
بموجب القانون الحالي، وباء الكورونا، بما في ذلك مرض أو تلوث ناجم عن أي فيروس اّخر، لا يعتبر قوى عليا. وعليه، فإن الحاجة الملحة لحماية الأطراف في الاتفاقيات، من وجهة نظري، تقتضي تعديلا في نص القانون الذي يتعلق بتعريف مصطلح " قوى عليا" أو " قوى قاهرة".
بموجب بند 18 من قانون العقود (حلول خرق العقد) (חוק החוזים תרופות-1970)، هنالك ثلاثة شروط، بحيث اذا توفرت، مجتمعة، لا يعتبر الخرق مخالفة تقتضي تنفيذ أو تطبيق إجراءات العقد أو حتى التعويض. بمعنى انه سيعتبر قوى عليا حالت دون الالتزام بتنفيذ بنود العقد:
1. لم يعلم مخالف العقد بالظروف التي قد تحدث بعد ابرام العقد؛
2. لم يكن بإمكان مخالف العقد أن يتوقَع مسبقا، هذه الظروف ولا، حتى، منعها؛
3. تنفيذ العقد مستحيل أو مختلف جوهريًا عمّا تم الاتفاق عليهِ بين الأطراف.
وفيما يتعلق بقرارات الحكم (פסיקה)، فانًّ التفسير لاصدار الحكم بالاعفاء بسبب خرق العقد (סיכול) هو دقيق ومحدود. نلاحظ أنه وفقا لتعليمات القانون التي ذكرت أعلاه فان الحالات التي يمكن توقعها مسبقا تكاد ان تكون نادرة ومحدودة أيضا.
على مر السنين، المحاكم في دولة إسرائيل لم تأخذ بعين الاعتبار أحداثا كالحرب، أو أضرارا خلفتها قوى الطبيعة أو أمراض خبيثة أو حتى حالات الوفاة، على أنها قوى عليا تبيح، بموجبها، لأحد الأطراف المعنية في العقد عدم الالتزام. وعلى سبيل المثال فقد أبدى، سعادة القاضي لاندوي، معبرا عن رأيه في هذا السياق "أنه طالما لم يكن هناك سلام بين إسرائيل ودول الجوار فإن خطر اندلاع الحرب أمر وارد". ومثال آخر في مجال الزراعة، بحيث لم يتم اعتبار الصقيع الذي أدى إلى فقدان المحصول بأكمله كقوى عليا، أضف إلى ذلك الحرائق التي اندلعت في أحراش الكرمل في حيفا.
يمكن القول ان قرارات المحاكم التي صدرت بالآونة الأخيرة في ظل أزمة وباء الكورونا خلقت نوعا من البلبلة وعدم الوضوح عند المستأجرين والمؤجرين.
ففي أسبوع واحد، صدرت ثلاثة قرارات قضائية مختلفة، إحداها كان قرارا يقضي بشرعية صرف الكفالة وقرارين آخرين بعدم صرف كفالة مصرفية بنكية.
لا شك ان وباء الكورونا هو وباء عالمي. والسؤال المطروح في هذه المرحلة، هل الوباء العالمي هو نوع من الاحداث التي لا يمكن توقعها؟
اذا عدنا بالزمن الى الوراء، يمكننا ان نرى ان الأوبئة كانت موجودة في عالمنا بالماضي. الوباء الأول كان خلال حرب البيلوبونيز (431 قبل الميلاد)، وما تلاه كان وباء الطاعون الذي كان مصدره من دولة الصين، وبعدها الجدري، الموت الأسود، السل، الكوليرا، الانفلونزا الاسبانية، التيفوس، الايدز، انفلونزا الطيور، انفلونزا الخنازير والان فيروس الكورونا (COVID-19).
للأسف الشديد الأوبئة هي جزء من واقعنا العالمي، ويصعب اعتباره كقوى عليا مفاجئة. وعليه، وبتقديري انه لا يمكن اعتبار وباء الكورونا كقوى عليا وفقًا للقانون الحالي.
فاذا كان الأمر كذلك، ما هو الحل في حالة عدم الالتزام في العقود بسبب فيروس الكورونا ؟
من الجدير ذكره انه وفق قوانين العقود فانه يحق للأطراف صياغة العقد بشكل حر وبما يتناسب مع رغبة الأطراف المعنية. من المفضل صياغة العقد بحيث يأخذ بعين الاعتبار ويدرج توقعات لأحداث خارجية استثنائية، قد تكون واردة. وتقسيم الاضرار، على أثرها، بينهم، على حد سواء في حال وقوع مثل هذه الاحداث، وذلك، لان المحاكم تميل الى النظر في العقود وفقا للبنود المكتوبة والمحددة بالعقد المبرم.
بكلمات أخرى وكاقتراح لحل مستقبلي الى ان يتم تعديل القانون، يجب على الأطراف المعنية بالعقد تحديد الاحداث والظروف، بالتفصيل، التي تعتبر إخلالا بالعقد المبرم بينهم.
وبالنسبة للوضع الحالي، وكما ذكرت آنفا، فانه من "واجب" السلطة التشريعية تعديل القانون الحالي وصياغة تعريف واضح لمفهوم "القوى العليا" بحيث يشمل جميع الظواهر والاحداث المفاجئة مثل وباء الكورونا، على الرغم أنه من الممكن توقعه، إلا أنه يصعب تقدير الضرر الناجم عنه.
* المحامي مراد خالد خوري: محاضر مساعد في كلية اونو الأكاديمية وطالب للقب الثاني في جامعة تل أبيب
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com