هل يتحول عالم المعلم من الإنسانية الى العالم الالي "الافتراضي"| بقلم: أحمد محاجنة

أحمد محاجنة
نُشر: 01/01 14:37,  حُتلن: 12:26

سلسة مقالات: " التعليم نحو الافضل " 
الأستاذ احمد محاجنه – محاضر في التقويم البديل، البيداغوجيا الحديثة ومستشار تنظيمي، مختص في N.L.P

ان الناظر لوضع المعلم في زمن العولمة الحديث فإننا نرى عمليات استئصال لقيم الاخلاق من مقدمة المعلم الى ظاهرة الجديدة المعلم نحو "العالم الالي الافتراضي" الذي أصبح له الكلمة العليا والقيم والأخلاق التي تربينا عليها في الدرك الأسفل.
ان الناظر اليوم لتقليص دور المعلم كمربي وموجه للقيم الاجتماعية والدينية وتحولها لقيم افتراضية حيث لا مكانة للمعلم وأصبح يلعب دور هامشيا في تذويت القيم التي نشأ عليها.
الأسباب كثيرة جدا وحصرها بين مقال هذا او ذاك لهو افتراء لمكانة المعلم المرموقة التي اندثرت اليوم بسبب الطلبات والمهمات التي تحث المعلم على تطوير الناحية التعليمية والمهنية من جهة وبين إرضاء المسؤولين عنه في شتى المجالات داخل المؤسسة التربوية! من جهة أخرى , ان العالم الافتراضي الذي يعيشه أولادنا ودخوله قبل ان يدخله المعلم أدى لحدوث هوة كبيرة قد يصعب في المستقبل تقليصها .
ان أحد الأسباب التي أدت لحدوث البلبلة والضبابية في تعريف المعلم في مجتمعنا اليوم هي منافسة الدول المتقدمة علمية وتعليمية ككندا، فلندا، يابان وبريطانيا ...وغيرهم.
مما أدى بتوجيه السهم نحو فئة المعلمين حيث أصبحوا الشماعة التي يعلق عليهم فشل المؤسسات والنتائج وغيرها وتناسوا دور المعلم كانسان مما أدى لارتفاع ظواهر العنف وفقدان البوصلة والنتيجة أدت لتراشق الاتهامات بين المسؤولين التربويين تارة وبين قيادات الاجتماعية والسياسية تارة أخرى. للأسف أولادنا من يدفع الثمن.

فإننا نرى تزاحم الدول متنافسة لتحقيق التقدم في كافة المجالات، وهذا كان المحرك الأساسي لاستثمار الطاقات البشرية، وانطلاق الجهود الكثيفة نحو التعليم بوضع الاستراتيجيات الحديثة للنظام التعليمي بكافة جوانبه من أجل بناء الإنسان بناءً صحيحًا على أسس وقواعد سليمة قوية لبناء مجتمعات متقدمة حضارياً واقتصادياً واجتماعياً؛ فالمدرسة هي البيئة المناسبة لأي رغبة حقيقية في التغيير في المجتمع نحو الأفضل لأن المدرسة مجتمع يتعامل مع الفرد من طفولته حتى بلوغه مرحلة الشباب، وهي المرحلة الأهم في غرس القيم وبناء الأخلاق وتوجيه السلوك، لذلك اتجهت الجهود إلى تبني اتجاهات ومداخل حديثة في التعليم للارتقاء بالعملية التعليمية التعلمية لتحقيق الغايات المرجوة. ورغم ذلك كثيرة هي الدول التي مازالت تسير بخطى بطيئة في ركب التقدم على الرغم من اهتمامها بالتعليم و تبني سياسات عديدة لتطوير التعليم، وقد سبقتها دول أخرى وتربعت في قائمة الدول المتقدمة عالمياً على الرغم أنها تزيد عنها في الموارد البشرية والمادية، ومن هنا انطلقت الصراعات حول الغاية من التعليم، وبدأت المساعي الحثيثة نحو توفير نوعية تعليم تكفل التقدم المنشود، ويعتبر هذا من الدوافع الأساسية للمناداة بأنسنة التعليم، من أجل الإعداد لمستقبل أفضل بالاهتمام بالطالب كإنسان وليس آلة تتلقى المثيرات لتصدر الاستجابات، فتضاؤل الروح الإنسانية فيما يتعلم الطلاب يشكل خطورة يجب عدم إهمالها في زمن تزايدت فيه الأزمات والخلافات فيجب منح الطالب الفرصة في الحديث عن نفسه، والتعبير عن مشاعره وإشباع حاجاته النفسية، وتحويل المدارس إلى بيئة إنسانية نقية تتبنى قيماً ومبادئاً ومودة ورفاهية واحتراماً، فنحن بحاجة إلى تغيير الواقع وجعله أكثر إنسانية حتى ينمو الفرد نمواً سليماً، يمتلك المعرفة والمهارات العصرية والتفكير الإبداعي ويواجه التحديات بعقل واعٍ، ويؤمن بالحوار ويتفاءل بالمستقبل، ويسهم في بناء حياة أكثر جمالاً ورقياً.
ما المقصود بأنسنة التعليم
هو التعليم الذي يراعي إنسانية المتعلم، ويتم فيه تهيئة مواقف وخبرات ونشاطات تساعده على استغلال طاقاته الإبداعية وقدراته، لكي تتيح فرصًا لإظهار مشاعره وانفعالاته، وتساعده على تنمية شخصيته.
كيفية أنسنة التعليم
* التعامل بإنسانية بين عناصر البيئة التعليمية سواء في اتخاذ القرار أو رسم السياسات أو
التطوير أو بناء المهارات أو ثقافة الحوار وغيرها.
*جعل التعليم لخدمة الإنسانية والإنسان وليس نقمة عليهما، وبالتالي غرس مفاهيم الابتكار
والتطوير والوسطية ونبذ التطرّف والعنصرية.
*تحويل المعرفة إلى حكمة وثقة بالنفس وبناء الشخصية على التفكير الإبداعي والتطوير
والتميز ومهارات إنسانية جديدة كالعمل التطوعي والجماعي.
*زرع الأمل والتفاؤل والنظرة الإيجابية والتطلّع للأمام للمضي قُدماً من أجل التطوير والنماء.
*تعزيز ثقافة الحوار واحترام التنوع الثقافي والحضاري والديني ونبذ التطرّف والمحسوبية والأنانية.
*جعل المؤسسيّة العنوان البارز للتطوير مع الأخذ بروح القانون في بعض الأحيان دون التدقيق بين السطور عند التعامل مع المحرومين والفقراء ومن على شاكلتهم.
* دراسة الأبعاد والآثار الجانبية الإنسانية لأي قرار سيتم اتخاذه، ليساهم ذلك في منظومة
العدل وإعطاء الحقوق لأصحابها ومحاسبتهم على واجباتهم.
* توفير بيئة خالية من العنف والقسوة، ودعم المعاملة الرحيمة.
*تشجيع العمل الجماعي التعاوني ونبذ الفردية.
*التوجيه الذاتي للمتعلم: ويقصد بذلك ضرورة إعطاء الحرية للمتعلم في تقرير ما يريد أن يتعلمه.
*التقويم الذاتي: يعد التقويم الذاتي في رأي الاتجاه الإنساني من الشروط الضرورية لتدعيم الاستقلالية لدى المتعلم، بل ويعتبر التقويم الذي يتخذ شكل التقديرات والدرجات والبطاقات عوامل من شأنها إعاقة العملية التربوية.
* الشعور بالاطمئنان: يجب توفير جو يتحرر فيه الطالب من التهديد حتى يشعر بالأمان ولا تتزعزع ثقته بنفسه، فالعملية التربوية تصبح أكثر يسراً وأعمق مغزى وأكثر دواماً عندما تتم في جو خال من التهديد، فشعور الطالب بالاطمئنان والسكينة يساعده على التعلم بصورة أفضل، فهو بحاجة لتواصل إنساني جاد، ولمعلم يكون صديقًا له، ويؤكد على كرامته.
* الاهتمام بمشاعر الطالب بتهيئة الفرصة للفرد لكي ينمي مشاعره داخل المدرسة، فالتعليم الأمثل هو اكتساب معلومات وتجارب جديدة، وكذلك اكتشاف مغزى هذه المعلومات والتجارب من خلال التعلم الذاتي، فقد تفشل المدارس في تحقيق رسالتها ليس بسبب عجز الطلاب في المعرفة، وإنما بسبب عدم تهيئة الفرصة لهم لكي ينموا مشاعرهم الذاتية تجاه الأشياء والأحداث المعرفية بوجه عام.
إن الإعداد لمستقبل أفضل يتم إذا ما خططنا التخطيط السليم لتعليم إنساني هادف، فتطوير العقل شكل من أشكال الإنجاز الثقافي الذي تلعب المدرسة وبرامجها دورًا هامًا فيه بالتعاون مع المجتمع، وإذا آمنا وتبنينا هذا المنحى، وقمنا بإدخال هذه المقترحات والأهداف سنكون قد حصلنا على جزء كبير من الإصلاح الحقيقي والأصيل لمناهجنا وبرامجنا ومدارسنا ونظامنا التعليمي، وستتاح الفرصة لأبنائنا لتشكيل شخصياتهم المستقلة التي بدونها لن يكون تقدماً حقيقياً أو تنمية مستدامة، ولكن ذلك يتطلب التعاون والعمل الجاد من جميع المعنيين للانتقال من الجانب النظري إلى المجال العملي.

بعض المهارات التي تنمى من خلال أنسنة التعليم
• الرؤية والتخيل: يمتلك الفرد هذه المهارة عندما يشكل رؤى ويستطيع استخدامها في الطاقة التحليلية لديه لإيجاد حلول جديدة لمشاكل أو لإبداع أو ابتكار أفكار جديدة.
• القدرة على إصدار الأحكام: إن من أفضل الطرق لإعداد الأطفال للمستقبل التركيز على الحاضر بطريقة تساعدهم على التعامل والتفاعل مع المشاكل التي تحتمل حلولاً متعددة، فالقدرة النقدية الجيدة تتطلب أسبابًا جيدة، ولغرس هذه القيمة، يحتاج المنهاج التعليمي إلى أن يشتمل على المشاكل والمسائل التي تسمح بالمحاورة لاتخاذ القرار أو الانتقاد أو إصدار الأحكام.
• التفكير الناقد: القدرة على نقد الأفكار والاستمتاع بما يتم اكتشافه أو التوصل إلى ما
يمكن تنفيذه من هذه الأفكار، فمهارة التفكير الناقد تنصب على مقدرة الفرد على الحكم على المعلومات الواردة من حيث الجودة من عدمها، ولذا لا تصلح هذه المهارة إلاّ في المجتمعات الديموقراطية حيث يشارك الفرد في حكم مجتمعه وهذا واجب يتطلب درجة كبيرة من القدرة على التفكير الناقد لتمييز الحقائق من غيرها.
• الثقافة الهادفة: على المدرسة أن تغرس أشكالا متعددة من الثقافة، فالمدرسة يجب أن تنمي بعض الأنماط الثقافية -مثل الفنون- بين طلابها حتى يصبحوا متطورين ثقافيًا وفنيًا ويمتلكون ذوقاً فنياً وجمالياً ويشاركوا ذلك مع الآخرين.
• التعاون والعمل الجماعي: من أهداف التعليم أيضًا تنمية مهارات الطلاب في العمل مع الآخرين جماعيًا وتعاونيًا وبانسجام، وخصوصًا مع الطلاب المختلفين عنهم ثقافياً، ومثل هذا التعليم يمكن أن يعمل فرقًا في حياة الطلاب في الحاضر والمستقبل، فعملية التعاون تولد أفكارا جديدة وتطور مهارات اجتماعية يحتاج إليها الطلاب في جميع مناحي الحياة.
• الخدمة المجتمعية: خلق وإيجاد الشروط التي يمكن من خلالها أن يساهم الطلاب في خدمة مجتمعهم الأكبر بصورة إيجابية، فالتعليم يجب أن يكون أكبر من الإنجاز الفردي الذي يهدف إلى خدمة الطموحات الشخصية، فالتعبير عن الشكر والامتنان للمجتمع والوطن هو فضيلة خلقية.
• القدرة على التكيف: وهي القدرة على الخروج من المواقف والمعتقدات الثابتة والقدرة على التغيير واكتساب قدرات ومهارات جديدة، وهذه قدرة على تعلم أشياء جديدة وإيجاد طرق ووسائل للتكيف مع المتغيرات والمفاجآت بحكمة واتزان دون تسرع، والتصدي لها إما بالتكيف أو بإيجاد الحلول أو البدائل.
حتى لا تكون المدارس جسداً بلا روح، يجب الاهتمام بتجربة أنسنة التعليم لجميع المعنيين، الطلاب والمعلمين والإداريين، فتكون مركزاً لاكتساب فهم أعمق لما يعنيه حقاً أن تكون إنساناً، ذات مناخ يشجع الطلاب على التركيز على ما هو داخل أنفسهم، فليس هناك أسوأ من الفشل في التعرف على إنسانية المتعلم ورعايتها، فالدور الأساسي للتعليم غرس المعرفة والثقة لدى الطالب ومساعدته على التكيف مع المهارات والقيم الجديدة بحيث يكون قادراً على إحداث فرق في مجتمع اليوم، ويساهم في بناء مستقبل أفضل، لذا يجب أن نؤمن أن الهدف الرئيس للمدرسة ليس هو مساعدة الطلاب على أن يجيدوا عملهم ولكن لمساعدتهم على أن يعملوا جيدًا في الحياة التي سيمارسونها خارج المدرسة، ولذلك من الضروري أن تمنح أنسنة التعليم مكاناً ليس فقط من الناحية النظرية ولكن أيضا من الناحية العملية، كما يجب تنظيم أنشطة المتعلمين وإدارتها، مع توفير الظروف الأفضل للتنمية، حتى يستطيع الفرد التعلم وفق قدراته واستعداده للنمو والتطور وفق ظروف وبيئات يقوم بإعدادها واختيارها، وكذلك تطوير برامج تراعي الخصائص العمرية للطلاب، والاحتياجات الفردية لهم، والتركيز على الاهتمام بالمناخ الصفي المفتوح الذي يسوده التسامح والخالي من التهديد والنقد، والبعيد عن استخدام أي محددات تعيق الطلبة من الاستمرار والاندماج في نشاطهم الصفي.

ملاحظة : المقال بين ايديكم اقتبست معطيات ومعلومات من مقالات مختلفة مع إضافة فكري الخاص

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة