كم تمنّى رئيف أن يكون لديه حاسوب يُعينه في دراسته ، ويملأ من خلاله أوقات فراغه ، فهو كما كلّ طلاب المدرسة الابتدائية في هذه الأيام يُحبّ أن يسافر في دنيا القصص ورياض الشِّعر والالعاب والأغاني والمراسلات والمواد العلميّة والأدبيّة. وكلّ هذه الامور متوفرة في الحاسوب ، هذا السّاحر العجيب!!!.
ولكن كما يقول المثل الشّعبيّ : " العين بصيرة ، واليد قصيرة " فالفقر يسكن في بيتهم ولا يريد أن يفارق ، فيُضطرّ رئيف أن يستعين في بعض الحالات بحاسوب جاره وتِرب صباه ماهر ، الذي يسكن في البيت الكبير والجميل ، والقائم قبالة بيتهم ، فيذهب اليهم خَجِلا ويطلب منهم أن يجلس الى حاسوبهم بعض الدّقائق لحلّ وظيفة ما.
والجيران طيّبون ، ظرفاء ، يقابلونه بالابتسامات وبكأس من العصير المُثلَّج والكعك الّلذيذ والفواكه الشّهيّة.
ورئيف يحبّ العصير والكعك والفواكه ، ومع هذا فكثيرًا ما كان يرفض ويتمنّع ، رغم الحاح الجيران.
كان رئيف يجيل ببصره في الصّالة الواسعة ، وفي اللوحات الجميلة المُعلَّقة على الحائط ، وفي الأثاث الفاخر الآتي من اوروبا، وتبهره الثُّريّا الجميلة المُدلاة من السّقف، فيتأوه بصمت : " يا الهي ما أجمل هذه المشاهد!!! ثُمّ يروح يسأل بصمت لماذا لا يكون عندنا مثلها ؟
لماذا هم يعيشون في نعيم ونحن في ........
ولكن سريعا ما يسمع صوتًا من داخله يقول : " على رِسلِكَ ، فالشّريعة الإلهيّة تقول : " لا تشتهِ "
ويهزّ رئيف رأسه قائلا: حقًّا ، علينا ألا نشتهي ما لغيرِنا .
في أحد الأيام ، وبينما كان رئيف عائدًا لوحده من المدرسة ، رأى على الرّصيف القريب من بيتهم محفظة نقود ، فارتعش وهو يتناولها ويفحص ما فيها.
إنّها مملوءة بالأوراق النقدية من كلّ الالوان والأنواع ، اوراق يعرفها واوراق لا يعرفها .
دسّها رئيف في حقيبته وتابع سيره.
دارت الأفكار في رأسه ...إنّه أضحى غنيًّا ، وبمقدوره أن يشتريَ حاسوبًا ودرّاجة حمراء ، وأن يُحسّن ظروف عائلته.
ويعود إليه الصّوت الداخليّ الهامس يُؤنّبه : تمهَّل ، فالمحفظة ليست لكَ. ويشدّ رئيف الحقيبة الى صدره ويعود الى البيت مُسرعًا.
وفي مساء اليوم ، وبينما كانت العائلة مُلتفّة حول مائدة الطعام ، قُرع جرس الباب ، فقام رئيف ليفتح ، فإذا به أمام جاره أبو ماهر وصديقه ماهر .
عانق أبو ماهر رئيف بحرارة قائلا : ما أروعكَ يا ولدي ...ما أروعك !!.
هبّ أبو رئيف عن مائدة الطعام لاستقبال الجار الضيف ؛ هذا الجار الذي لا يزوره الا نادرًا ، فصافحة أبو ماهر بحرارة وهو يقول : أهنئك يا جارنا على ابنكم رئيف ؛ هذا الصّبيّ المُهذَّب والأمين ، أهنئكم وأرجوكم أن تقبلوا منّا هذه الهدية المتواضعة .
وما أن أكمل ابو ماهر حديثه ، حتّى دخل شابٌّ يحمل حاسوبًا جديدًا ، فيما راح ابو رئيف وزوجته ينظران الى رئيف تارة والى ماهر وأبيه أخرى والحيْرة تملأ الكيان.