مقدمة:
لقد شكلت العقود الثلاثة الماضية تحول جذري في نشاط القطاع السياحي على المستوى الدولي، سواء على مستوى العائدات السياحية أو على مستوى أعداد السياح ونسبة النمو في نشاط هذا القطاع، حتى بات متواجدا بكل عصب اقتصادي ولا يمكن اهماله عند الكثير من دول ومدن العالم. ويشكل القطاع السياحي حالة منفعة مشتركة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للدول المرسلة والمستقبلة لهذه الصناعة الفتية، حتى أضحت السياحة مؤخراً تساهم بما نسبته اكثر من 10% من الناتج الإجمالي العالمي. ولقطاع السياحة تأثير إيجابي على الجوانب الاقتصادية؛ وذلك من خلال تعزيز معدلات النمو الاقتصادي وزيادة مستويات الدخل، وتحقيق التنمية المتوازنة، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص، وتطوير مرافق الخدمات السياحية حيث تحقق الدول السياحية في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبعض الدول العربية في مقدمتها دولة الامارات العربية دخلاً كبيرا من السياحة.
وتشكل السياحة حاليا أحد أهم المصادر الرئيسية للدول باعتبارها مدخل لتحقيق التنمية المستدامة، ومصدراً هاماً من مصادر اقتصاديات المدن؛ لأن اقتصاد أي دولة او مدينه في العالم يعتمد في تطويره على العديد من الأمور التي تسهم في زيادة الدخل القومي لتلك الدولة، وزيادة النمو يسهم إلى حد كبير في تحسين نوعية الحياة ورفع مستواها خصوصا للشريحة الوسطى من السكان، فبعض الدول لديها موارد طبيعية تساعد في تطور السياحة لديها وتسهم في زيادة أعداد السائحين حسب منظمة السياحه العالميه (UNWTO).
الكوارث والازمات السياحية:
تعتبر صناعة السياحه من اهم مصادر الدخل للعمله الاجنبيه لخزينة الدوله والاقاليم حول العالم كما ذكرنا سابقا، وتأتي في المرتبة الثانية بعد قطاع النفط والطاقه على مستوى الاقتصاد العالمي، وهي في تزايد متسارع ومستمر لبعض الدول والتي استطاعت المحافظة على استقرار هذه الصناعة، والتي تمكنت من تحصين هذه الصناعه ضد الازمات السياسيه والاقتصاديه والصحيه والكوارث الطبيعيه المختلفه.
ان قطاع السياحه قطاع متغير وفي حركه مستمره, والحفاظ على استقرار ونمو متسارع لهذا القطاع ليس وليد الصدفه في الدول السياحيه, بل هو نتاج سياسات واستراتيجيات وخطط مدروسه من قبل هذه الدول. واهمها علم ادارة الازمات والكوارث السياحية، وعالم الازمات عالم حي ومتفاعل، عالم له اطواره، وله خصائصه واسبابه, حيث تتأثر به الدول او الحكومات فيتأثر به الصغير والكبير. يجب معرفة الاجراءات التي يمكن اتخاذها لتلافي او تقليل الضرر الناتج عن هذه الازمات والكوارث المختلفه قبل واثناء وما بعد الازمه للعوده السريعه والتعافي والنهوض بالقطاع السياحي بعد اي طارىء يحدث.
هنالك الكثيرمن الكوارث والازمات التي تعصف وتضرب بقطاع السياحه على مستوى العالم منها كوارث طبيعية ومنها البشرية, فهناك مواسم الاعاصير مثلما يحصل في السواحل الشرقية للولايات المتحدة، وموجات تسونامي غير مسبوقه تضرب المناطق المطله على سواحل المحيط الهندي، حرائق غابات بأكملها كما حدث في كاليفورنيا وروسيا، زلزال في اندونيسيا، وهناك فيضانات وبراكين تشل حركة الملاحه الجويه في اوروبا والعديد من دول العالم، تسرب ضخم للنفط يلوث السواحل مثلما حدث في خليج المكسيك، التفجيرات الإرهابية، الأوبئة المختلفة مثل الإنفلونزا، سارس، إيدز، والإيبولا والتي تنتشر بسرعة مع حركة انتقال المسافرين عبر العالم.
السياحة ما بعد ازمة الكورونا:
وأخيرا، إن ما يحدث حاليا من انتشار فيروس كورونا المستجد(COVID-19 ) هذا الوباء الذي ينتشر في العالم مثل النار في الهشيم، أضاف للأحداث الكثيرة التي أثرت بشكل كبير ومباشر على قطاع السياحه وحركة النقل والمواصلات حول العالم . ولكن هنالك اختلاف بين الدول في طريقة تعاملها مع هذه الازمات فهناك دول خرجت من أزمتها بوقت قياسي وبأقل ضرر وخسائر، بينما هناك دول أخرى لا تزال تعاني تأثيرات مزمنة لأحداث وقعت منذ سنين مضت.
اما بالنسبه لأزمة الكورونا في وقتنا الحاضر وما نلاحظه خلال الشهور الاخيره (وما يظهره الشكل اسفل)، فان صناعة السياحة هي اكثر الصناعات المتضررة واولها على مستوى العالم اجمع، حيث يعاني العاملون في هذا القطاع من ازمه بل من كارثه حقيقيه، حيث شلت الأزمة حركة كل مركبات القطاع السياحي من مواصلات (بريه وبحريه وجويه)، وإقامه (الفنادق والمنتجعات بأنواعها) وخدمات الطعام والشراب واماكن ترفيه بانواعها (Lodging,Transportation,Food & Beverage, Attractions) .
شكل يظهر تأثير وباء الكورونا على صناعة السيلحه عالميا
ولكن لا مفر، فعندما تبدا العجلات بالتدحرج للخروج من هذه الازمه تكون هناك الخطط المدروسه والاستراتيجيات وبرامج التسويق بانواعها قد خرجت للعالم وبقوه لإعادة هذا القطاع الي سابق عهده.
يتفق الخبراء على ان العالم اجمع بشكل عام وقطاع السياحة بشكل خاص، ما بعد الكورونا، لن يكون كما كان قبل الكورونا وان هذا الفيروس لن يختفي كليا بل قد يكون اقل ضرر. اما عن قطاع السياحة، فهو اول من تضرر واخر من يتعافى، فعودة القطاع السياحي تكون محفوفه بالكثير من القيود والاجرائات والتي تضعها الحكومات بالإضافة الى شركات الطيران (IATA)، الفنادق، المطاعم (IHRA)، ومدن الترفيه، وبناء عليه ستكون عودة قطاع السياحة تدريجيا.
إن الكثير من الدول حول العالم تبقي على حدودها مغلقه او على الاقل محدودة الحركه وبشروط صارمه جدأ. لذا فإن السياحة الداخلية في معظم دول العالم ستزدهر وتنمو بشكل كبير. وسيزداد الطلب على السياحة البيئية والسياحة الريفية. ويزداد الطلب على الرحلات المنظمه العائليه محدودة العدد وهذا بدوره يودي الي انخفاض الطلب على الفنادق الفارهة، وسيلاحظ ارتفاع في اسعار تذاكر الطيران خلال السنة الاولى بعد الازمه، كما وستختفي الكثير من شركات الطيران العارض (Low Cost)، وتزداد الحجوزات عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر مع الفنادق ومواقع الترفيه وهذا ما تفضله الفنادق، حيث أصبح بإمكان الجميع التعامل مع التكنولوجيا واكتسابهم الخبره خلال مكوثهم في البيوت خلال فترة الكورونا. كما وسيقل حجم سياحة رجال الاعمال وستختصر بسبب نجاح العمل من البيوت، وتزداد المؤتمرات الموجهة اون لاين. ستقوم الكثير من الشركات السياحية الكبيرة والصغيرة منها بإعادة هيكلتها من جديد وهذا بدوره يساعدها على تحقيق ارباح مناسبه. شركات الطيران ستكون اكثر الخاسرين في قطاع السياحه نتيجة لأزمة الكورونا,واخيرا وبحسب منظمة السياحه العالميه ستتراجع الحركه السياحيه حول العالم بنسبه تتراوح ما بين 60%-80% خلال هذا العام.
د. نشأت صرصور-باحث وخبير في السياحة الدولية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com