بين تصريحات تنسب إلى الرئيس ترامب وبطانته، تدعو نتنياهو إلى عدم التسرع في الضم وترهن هذه الخطوة بضرورة عقد مفاوضات مع الفلسطينيين، باعتبارها العملية الوحيدة لجرهم إلى المشاركة (والموافقة) على "صفقة ترامب ـ نتنياهو"، وأن أية خطوة نحو الضم دون مشاركة الفلسطينيين ستؤول الى الفشل, وبين ما تمخض من نتائج لزيارة بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى "إسرائيل "،و"ردة الفعل" للرسمية الفلسطينية على قرار الضم الإسرائيلي, بدا واضحًا وكأنّ الضمّ لأجزاء من الضفة الغربية قد تأجّل!، بعد أن طالبت إدارة الرئيس ترامب بأن يندرج الضم ضمن تطبيق الرؤية الأميركيّة الكاملة، وإعطاء فُرصة للفلسطينيين لإجراء مفاوضات فلسطينية -إسرائيلية، ودعوة الفلسطينيين إلى تقديم عرض مضاد للخطة على طاولة المفاوضات، وبذلك حوّلت الضوء الأخضر الذي منحته لحكومة الاحتلال إلى ضوء أصفر وفق تعبير صحيفة نيويورك تايمزالامريكية.
المصالح الامريكية-الإسرائيلية المشتركة:
ظهر وكأنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد وافق وأزال الضم من الخطوط العريضة لبيان حكومته، والتي نُشِرت قبل وصول بومبيو الى المنطقة، رغم تأكيد هذا الاخير بأنّ الضم هو قرار إسرائيلي، إلّا أنّ إدارة ترامب لم تُخفِ رغبتها في تأجيل الضم وتوقيته وفق المصالح المشتركة.
في هذا السياق، لا يتناقض إعلان نتنياهو عن تمسك حكومته بالضم مع الدعوات الأميركية لتأجيل التنفيذ، لأن الحديث يدور عن توقيت الضم وربطه بإشراك الفلسطينيين عبر جولات من المفاوضات، والهدف منها استكمال ترويض السلطة الفلسطينية وممارسة المزيد من الضغط عليها لتقبل برؤية ترامب-نتنياهو.
وعلى كل حال ترامب يحتاج الى الضم "أكثر" من نتنياهو!، ولكن في توقيته المناسب، لضرب عدة عصافير بحجر واحد: لدعم ترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، حيث سيكون بحاجة إلى دعم المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني الأمريكي وتليين الموقف الفلسطيني الرسمي وإلزامه بالرضوخ للإملاءات الامريكية من خلال مشاركته بعقد سلسلة مفاوضات ثنائية مع الإسرائيليين، وتنفيذ الضم الإسرائيلي ضمن رؤية الصفقة الامريكية بعد تذليل كل العقبات الفلسطينية والعربية والدولية. لذلك يكون "تأجيل" الضم مؤقتا، ومرتبط بالدرجة الاولى بحاجة ترامب إليه عشية الانتخابات الامريكية، أكثر منه في رسم الدور التاريخي "لأحلام" نتنياهو في خريطة " إسرائيل الكبرى".
لا شك في أن رؤية ترامب، هذه المرة، تنظر إلى الأمور نظرة استراتيجية، لا تهمل المصالح الإسرائيلية في الضم وقيام "إسرائيل الكبرى"، لكنها في الوقت نفسه، لا تهمل المصالح الأمريكية في استكمال خطوات بناء الحلف الإقليمي، الذي يوفر لها الهيمنة التامة على المنطقة، ويعزز موقعها في مواجهة الحسابات وموازين القوى الدولية الأخرى.
تساؤلات الفلسطينيين:
من هذا المنطلق، ما أعلنه الرئيس الفلسطيني عباس من أنّ: "منظمة التحرير، ودولة فلسطين، قد أصبحتا في "حل" من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الاميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الأمنية"...، مهم جدا؟! لكن السؤال الأهم: ماذا بعد ذلك؟!. وما هي الية التنفيذ لذلك؟! ومن هي الهيئة الفلسطينية التنفيذية المعنية في اصدار قرار "الحل" وليس " الإلغاء" ؟! لان الفرق بينهما يحمل مناورات سياسية تكتيكية – براغماتية لا حول للشعب الفلسطيني من تحمل وزرها او نتائجها؟!، وهل ستشهد الساحة الفلسطينية خطوات عملية وسريعة تؤدي إلى وحدة الجسم الفلسطيني وهيئاته التمثيلية؟! وهل ستجتمع الفصائل الفلسطينية كلّها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وفق برنامج عمل مشترك وطني-توافقي يلبي الحد الأدنى من طموحات الهم الوطني للفلسطينيين؟!
سبب هذه التساؤلات هو الخوف الفلسطيني المشروع من استمرار "السياسة التكتيكية" والانتظارية لأصحاب القرار، والاستمرار في احتلال المواقع الثابتة في المراهنة فقط على خيار المفاوضات العقيم، والخوف الفلسطيني من توظيف "القرار" الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني كوسيلة "ضغط تكتيكية" لا كموقف مبدئي يتم الإنطلاق منه لبدء مرحلة جديدة في استعادة عافية المشروع الوطني الفلسطيني، من خلال وحدته الميدانية وتوافقه الوطني في مواجهة أوسلو واستحقاقاته ورؤية ترامب- نتنياهو, والمراهنة على خيار المفاوضات العقيمة كونه الخيار الوحيد الذي جرت المراهنة عليه طيلة 27 سنة منذ اتفاقية أوسلو وأخواتها!!.
لقد "هددت" السلطة الفلسطينية في السابق مرارا بإنهاء التفاوض مع "إسرائيل"، لكن ما البديل الذي طرحته؟ لم تُعلن مثلاً التخلّي عن نهج التفاوض لصالح أسلوب المقاومة وبكل خياراتها المشروعة دولياً ضدَّ الاحتلال! لم تقم بإعادة بناء وتجديد لهيئات "منظمة التحرير الفلسطينية" على أرضية التوافق والوحدة الوطنية لكي تكون "جبهة تحرّر وطني" توحِّد الطاقات الفلسطينية المبعثرة!!، لان ما هو قائمٌ على أرض الواقع هو وحده المعيار في أيِّ خيار ومواجهة، خيار مبني على القوة الذاتية اولا هو الكفيل بتغيير المعادلات وصنع التحوّلات المنشودة في الموقفين الإقليمي والدولي وتحديداَ: الإسرائيلي والأميركي!
وهم الرسمية الفلسطينية:
ان تزايد حجم الضغوط العربية (الخليجية) والأوروبية والامريكية على الرئيس عباس للانخراط مجددا في عملية المفاوضات، بحجة أنه لن يكون ملزمًا بقبول رؤية ترامب، وأنّه بمقدوره أن يناور بذلك ويكسب وقتًا حتى عشية الانتخابات الامريكية ورحيل ترامب، وبذلك يتراجع خطر الضم إذا فاز "الديمقراطيون"!!، هذا السيناريو يدور في فلك المراهقة السياسية والرهان على حصان خاسر, بينما الرهان على الية جديدة تستند على وحدة الشعب الفلسطيني وهيئاته التمثيلية من خلال تصعيد أولويات العمل الوطني والمواجهة في الميدان, هو الحصان الرابح في سباق الاجندات العربية والدولية والإسرائيلية – الامريكية ومحاولتها تصفية القضية الفلسطينية.
لذلك ما يدور في الخفاء أو ما يتم حبكته من وراء ستار، من فحوى خطاب الرئيس الفلسطيني "بالحل" من الاتفاقيات وليس "الإلغاء"؟!،ونتائج زيارة بومبيو الأخيرة وتصريحاته، وتأجيل الضم مؤقتا من اولويات الخطوط العريضة لبيان الحكومة الإسرائيلية؟!، من قبيل الاتفاق على تأجيل الضم لصالح الشروع في مفاوضات سرية أو علنية للتوصل إلى "حل وسط" بين رؤية ترامب والموقف الفلسطيني (العاري من كل أوراق الضغط السياسي والتفاوضي اصلا), وتوفير التأييد والدعم العربي والدولي " للرؤية الجديدة", والتي لن يكون سقفها السياسي- التفاوضي وفي احسن حالاته يتعدى الاستسلام للأمر الواقع والتعايش معه, ان كان بضم قانوني يحظى بموافقة ودعم دولي, او من خلال تسعير وتيرة مصادرة الأراضي وتوسيع رقعة الاستيطان والتهويد تدريجيا وفي الحالتين ستشق رؤية ترامب-نتنياهو طريقها في الميدان ان شئنا ام ابينا, اذا بقيت الية المواجهة الفلسطينية في سبات عميق.
الية العمل الفلسطينية:
حان الوقت لكي تعتمد الرسمية الفلسطينية استراتيجيات وطنية جديدة تقوم على اعتماد خيارات مواجهة جديدة، وتعلن نهاية التسوية التفاوضية بإلغاء أوسلو وكل التزاماته واستحقاقاته مع الاحتلال، وتغيير مهام ووظائف السلطة والتزاماتها، وإعادة احياء مؤسسات منظمة التحرير بصفتها الشرعية والتمثيلية، والإقلاع عن الرهانات والحسابات الخاطئة والسياسات الانتظارية و"ردات الفعل" وليس الفعل نفسه.
لقد بات واضحا ان استراتيجية اللجنة التنفيذية الحالية للمنظمة, تندرج في سياق معالجة الأمر السياسي بإصدار البيانات الإعلامية فقط بين الحين والأخر, لتعود بعدها إلى مغادرة المسرح السياسي المنظور لشعبها، خاصة وأنها باتت عارية من عناصر القوة حين فقدت دوائرها التي من شأنها أن تمد في علاقاتها وتقوي دورها، وبات واضحاً ايضا أن "التنفيذية" تعتقد (واهمة), أنه كلما اتسمت بياناتها بالتشدد اللفظي في مواجهة السياسية الأمريكية، كلما موهت على غياب دورها الميداني، وعجزها عن اتخاذ قرارات عملية تواجه الإجراءات والسياسات العملية للجانب الإسرائيلي.
* د. باسم عثمان - كاتب وباحث سياسي
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com