تعتبر حرية الرأي والتعبير حقا أساسيا للفرد في الدولة الديمقراطية. حيث تنص معظم القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة على حق الإنسان وحريته في الفكر والتفكير والتعامل مع المعلومات ونقلها وتناقلها وعرضها ومناقشتها دون قيود أو وصاية من أحد أو أي طرف من الأطراف سواء كانت حكومية أو مجتمعية. كما تنص تلك التشريعات على حق الإنسان في التعبير عن رأيه بشكل لفظي شفوي أو كتابي على أي منصة من المنصات الصحفية المسموعة أو المرئية أو المكتوبة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية. حيث يساهم تبادل الآراء الحرة في تطوير المجتمع وتنمية الإنسان، كما أن التعبير عن تلك الآراء بحرية تامة يساهم في خلق الإبداع المطلوب للانتقال بالمجتمع من حالة الركود الفكري والآراء المستهلكة البالية إلى فضاءات حيوية جديدة من التحليق الفكري المنتِج لاكتشاف جوانب حديثة في عالمنا الواسع تفيد البشرية.
ولا يوجد سقف للحريات، وهناك من يقول أن الحريات سقفها السماء. على ألا تتعدى حرية الفرد على حريات الآخرين وحقوقهم، أو على الامن القومي والنظام العام. بمعنى آخر المهم ألا يتم إلحاق الضرر بالآخرين، كأن يشكّل الرأي تهديداً على حياتهم، أو على أمنهم وعملهم. فتهديد حياة الآخرين الشائع هذه الأيام على الفيسبوك وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى يعتبر عملاً إجراميا يجب محاسبته من قبل الأجهزة الأمنية للدولة. ولا يجوز التغاضي عن الكتابات التي فيها تهديدا لحياة الآخرين من تحريض وتحقير وتكفير لأنها تربك المجتمع وتنشر الجريمة وتقمع الرأي الآخر وتهدد السلم الأهلي.
إنّ جميع الأفكار والآراء مهمة حتى لو خالفت معظم الآراء السائدة أو العادات الدارجة، وحتى لو بدت تلك الآراء غريبة أو غير مقبولة بسبب تعارضها الشكلي مع الدين أو المعتقد. ومن باب حرية الرأي والتعبير، يستطيع الإنسان أن يعطي رأيه أو ينتقد أي شيء، أو يشكك في أي شيء مهما كان هذا الأمر سواء أكان معتقد أو دين أو عادة أو تقليد معين للمجتمع، على ألا يحرض على الكره والحقد والجريمة. وهذا ينطبق على تأليف الكتب والروايات أو إنتاج الأفلام والمسلسلات. وقد حصل جدلاً واسعاً في الغرب في العصر الحديث حول حرية الرأي والتعبير عندما تتعرض للديانات والرموز الدينية، حيث كانت هناك رسومات وأفلام تتعرض بسخرية شديدة للمسيح وللدين المسيحي (مثل فيلم "حياة برايان" Life of Brian للمجموعة الكوميدية البريطانية Monty Python في سنة 1979)، ووقعت على أثر بعضها سلسلة عديدة من الردود والأحداث العنيفة من المتدينين المتشددين، مثل ما حصل عند عرض فلم "رواية الإغواء الأخير للمسيح"، حيث ألقوا القنابل على دار العرض في باريس عام 1988 وحرقوها. أما بالنسبة للمسلمين، فجميعنا يتذكر ماذا حصل للروائي البريطاني سلمان رشدي عندما نشر روايته الشهيرة "آيات شيطانية"، حيث تم هدر دمه عام 1989 من قبل الخميني في إيران وهو ملاحق حتى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم. وبينما أخذ العالم الغربي وقتاً طويلاً حتى استوعبت شعوبه تقبل الآراء المخالفة لمعتقداتها، ما زال الاقتراب من أي شيء له علاقة بالدين الاسلامي خطا أحمرا حارقا، حتى لو لم يكن له علاقة بالقرآن أو بالسنة، كأن يتم انتقاد الصحابة أو الأئمة الأربعة أو دولة الخلافة الإسلامية أو حتى حديث مدسوس أو رواية دينية ليس لها أساس.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com