قال تعالى: "كلّ نفس ذائقة الموت "آل عمران:185"
وقال الشاعر: كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته..... يوما على آلة حدباء محمول
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه والقائل في محكم التنزيل:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) ببالغ من الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة صديق عزيز الأستاذ الدكتور فاروق مواسي الذي وافاه الأجل إثر وعكة صحيّة حادّة.
قذفني خبر رحيله بحالة من الصمت القسري ووحدة حاصرتني حين فتحت الحامل النقال عَلِّيَ أجد شيئا من أحد الطلبة أو خبر ما يزيد لديّ بعض الفضول خاصة في هذه الآونة العصيبة على الطلبة والامتحانات عن بعد إلخ...، فما كان إلا بعض إيميلات العمل، ولكن لفت نظري خبر زفّه زميل وعزيز لي بقوله:" إنّا لله وإنّا اليه راجعون "فقلت يا ساتر يا ربّ! أجاب: أبو السيّد فاروق: لا لا لا !! هكذا داهمني نعيه! لم أذهب إلى بيت العزاء بعدُ رغم عزمي على ذلك، لا ادري لماذا! ربما هي إحدى حيل اللاشعور تجاه فاجعة هوت علينا دون سابق إنذار، أم بسبب الوضع الذي نحن فيه حيث أصبحنا مصابين بما يسميه الطبيب النفسي باسم أغوارا فوبيا ! أي الهلع من مغادرة البيت !!
لقد سطّر وسجل عزيزنا الراحل خلال مسيرته التعليميّة مزيدا من التضحيات التي جعلت منه مثالا يقتدى به في دماثة الأخلاق، وحسن السيرة، والتفاني في العمل الدؤوب المتواصل لأكثر من أربعين سنة في سلك التعليم في المعاهد العليا الكليات لإعداد المعلمين والتدريس الجامعيّ ، باستعداده الدائم للتضحية، ونكران الذات ، إضافة الى كونه رمزا للأستاذ المثابر بهذا الوفاء سوف أحمل طيب الذكرى ، وبتلك الكلمات والنغمات الوادعة التي تفوه بها راحلنا العزيز .
كان لي شرف الالتقاء به قبل خمسة ثلاثين عاما في منتجع طابا المصريّ حين أخذنا الحديث عن الكتب والكتّاب فذكرت له كتابًا مفقودا لم أجده في الجامعة، فقال لي والبسمة على محياه: الكتاب عندي في مكتبتي، وعند سفرك إلى القدس، ميّل وشرّف وتفضّل لبيتي تجده مع غداء لذيذ! كنت ولا زلت اكبر فيه طيبته وتواضعه المكسو بخجل شفاف، وأقدر حسّه المرهف ،ونبوغه وذكائه المشعّ ، يمرح ويضحك ، ومن عرفه يفهم ما أقصده.
فاروق رحل إذن، رحل عنا قامة عالية بكامل همته العالية وأزعم أنه كان لديه الكثير من العمل والمشاريع رغم سنين من إحالة نفسه إلى التقاعد الوظيفي ولكني لا أظن أنّ تقاعد على الكتابة والدرس والبحث ، فعهدي بمثله الجدّ والاجتهاد والتفاني والاخلاص، وهل يملّ الكنار من التغريد؟، للاستثناء معايير مختلفة، وفاروق أصاب شيئا من هذا الاستثناء.
لقد ذبلت زهرة وانطوى عمرٌ تتحفه صفة التضحية والوفاء ، وهي في أوج العطاء.
حيث كان مربيا فاضلا ,أعطى وأجزل في العطاء في سبيل العلم والمعرفة ,فأحبه كل من عرفه من زملاء وزميلات طلاب وطالبات
لقد رحلت لا أمل في عودتك ولا رجاء سوى قلب يطفح بالألم والحسرة. فنِعمَ الرقاد ونِعمَ التراب محفظكَ ،سيبقى دائماً طيفك وخيالك ذكرى خالدة في قلوبنا إلى الأبد..
صديقي أبا السيّد إن العين لتدمع وأن القلب ليحزن واننا على فراقك لمحزونون..شمسك المضيئة بالعلم و الثقافة والأدب وصفحتك على الفيس بوك منارة من منارة الأدب تجمع فيها أسلوب السهل الممتنع ، فيها من البحث المستفيض ، وسهولة في الشرح ، وروح دعابة لا بدّ منها ، لقد تخرج على يديك أجيال وأجيال و تركت وراءك علماً نافعاً و دمعاً جارحاً ،غابت الكلمات وتسمرت العبارات وتاهت الآهات على فراقك.
إذ نتقدم بأحرّ التعازي لعائلته الكريمة ومحبيه ورفاقه وطلابه سائلين المولى أن يلهمهم الصبر و السلوان ، و للفقيد العزيز الرحمة والغفران. إنّا لله وإنّا إليه راجعون!
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com