-1- الايمان ينبع من داخل الانسان ولا يُفرَض عليه من الخارج
لي صديق مبدع عزيز مشغول بافكاره وشعره وكتاباته الراقية لا يحنّ الى قريتنا مسقط رأسينا الا من أجل زيارة امه التي يحبها اكثر من حبه للوطن الذي نحن فيه وغرباء عنه، بعث لي رسالة قال لي فيها:
"القبليّة والطّائفيّة هي سوس البلاء لدى هذه الأمّة، وهذا ما أقوله وأكتبه منذ عقود، ولكن لا حياة لمن تنادي
كلّ هؤلاء من أصحاب الشّعارات لم يفعلوا شيئًا
كلّما آتي لزيارة البلد لبضعة ساعات أشعر باكتئاب كبير ويراودني إحساس بأنّ هذه البلد كغيرها من البلدات مصيرها أسود والآتي أعظم"
اذا كانت الأديان اخلاقية وسامية واتّباعها الصحيح يقود الى الفضيلة والتسامح والتقدّم وقمّة الفكر والرّقيّ، فلماذا نحن في عزّ الانتماء لأدياننا وطوائفنا ومذاهبنا وصَلْنا الى قمة الانحطاط الاخلاقي والتعصب والرذيلة والعنف؟ اذا كانت قوانين وتعاليم الأديان مثالية وبانتهاجها نصل الى برّ أَمان انسانيتنا، فلماذا في ذروة المناداة بالتعلّق بها يحدث العكس؟ هل الخلل كامنٌ في الأديان ام في البشر؟ هل البشر هكذا لأنهم اشرار بطبعهم ام لأن الأديان اصبحت تراثا قديما باليا لا يجب الاعتماد عليه من اجل بناء حاضرنا ومستقبلنا، لا بل هي وسيلة للعنصرية والطائفية والتفرقة؟
لفترة طويلة لم نكن نفرّق في منطقتنا بين الناس بحسب دينهم بل بحسب انتمائهم لقوميتهم ولعروبتهم ولانسانيتهم، فلماذا هذا التركيز المكثّف الآن على اهمية دين الانسان وانتمائه الديني والطائفي والمذهبي؟
هل لأن البشر اصبحوا اكثر تديّنا وتَقْوى وتسامحا وفضيلة؟ لا يبدو الأمر كذلك
فكيف تستطيع اخي "المسلم"، اخي "المسيحي" اخي "الدرزي" ان تثبت لي انك تحبّ الله- الذي لا يُرى- حبّاً أعمى، بينما انا على يقين انك لا تحب اخاك الذي يقف امامك وتراه بعينيك؟ لماذا سيّجتُ "المسلم" و"المسيحي" و"الدرزي" بعلامات اقتباس؟ لأن هذه الصفات التي نطلقها على بعض لا تدّل بالضرورة ان حامليها متدينون ويمارسون شعائر "اديانهم" حسب الأصول، بل لأن هذه الصفات هي مجرّد القاب حملوها منذ ولادتهم وشبّعوهم بها على انهم يتميّزون بها عن غيرهم، وليس لأنهم يسيرون بموجب تعاليمها ويمارسون طقوسها
انها القاب "للتمييز"، والتمييز والتميّز سرعان ما ينقلبان الى تمييز وتميّز عنصري وطائفي ومذهبي ولوني وحاراتي وقروي ومدني
الخ
هل كل من يحمل لقب مسلم يتّبع تعاليم الاسلام كما يجب؟ وإن هو اتّبعها فهل هذا يساعده اكثر كي يصبح جزءا اقوى من آخرين من أديان أخرى ليشكّلوا شعبا واحدا، كأن نقول مثلا، الشعب الفرنسي، الشعب الألماني، الشعب الأمريكي، الشعب الياباني، الشعب الصيني، الشعب الفلسطيني، الشعب العربي
ابن الشعب الفرنسي يتزوّج من بنت شعبه ليس لأنها مسيحية بل لأنها فرنسية، وكذلك ابن الشعب الصيني العظيم الأكثر عددا في العالم لا يتزوّج الصينية لأنها بوذية بل لأنها صينية، لذلك فهم ابناء شعب واحد
صحيح ان لهم طقوسا وعادات وتقاليد ولكن علمانيتهم وامميتهم وقوانين نظامهم تحميهم كأبناء شعب واحد، ويعيشون تحت سقف وطنهم الواحد
لم تعد الكنيسة هي المسيحية ولم يعد شكل البابا مع صولجانه وتاجه المرصعين بالذهب وتصرفاته، يشبه شكل المسيح وتصرفاته، ولم يعد الاسلام هو المسجد والمسلمين، ولم يعد الدرزي هو الشيخ المؤمن التقي الورع
الصين العظيمة التي فيها مليارد واربعمائة مليون بشري هم ابناء شعب واحد، بينما انا اعيش في قرية عدد سكانها 18000 نسمة ولا نشعر اننا ابناء شعب واحد او ابناء امة واحدة
هل هي قرية درزية ام مسيحة ام اسلامية؟ ام مختلطة من اديان؟ ام مختلطة من ابناء شعب واحد بالتغاضي عن أَلقابهم الدينية التي هي مجرّد ألقاب، ونعْتُهُم بها لا يعني انهم متدينون؟ هل الشاب الذي يتعصّب لكونه مسلما ويتحوّل تعصّبه الى انشقاق وكراهية لباقي الطوائف هو متديّن ومؤمن حقّا ام ان الدين اصبح مفهوما حزبيا وفئويا وعنصريا؟ هل المسيحي الذي يكره المسلمين والدروز نابع من حبّه الأعمى للمسيح وللكنيسة ولربّه، ام ان المسيحية هي حزب نحتمي به كي نتقوقع في اقلياتنا الوهمية؟ اين هو المسيح الثوري الأممي المتسامح من مدّعي المسيحية اليوم؟ هل الشاب الدّرزي المتعصب لطائفته الدرزية لدرجة انه يكره المسيحيين والمسلمين يمارس طقوس ديانته ام ان الدّخول الى الخلوة مقصور على المشايخ بينما الأغلبية الذين ليسوا مشايخ لا يمارسون طقوس دينهم، فهل يمكن ان نطلق عليهم لقب دروز متدينين او مؤمنين؟ هل الذي يواظب على الذهاب الى الكنيسة والجامع والخلوة هو بالضرورة متدين او مؤمن فعلا، ام ان الدافع الاجتماعي لديه اقوى من الدافع الديني، فهو على الأغلب يفعل ذلك من اجل المجتمع وليس من اجل الله؟ هل المسلم هو من يمارس واجباته الدينية بينما هو يتعصب للاسلام لدرجة انه يعتبر ابناء الديانات الاخرى كفرة وفاسقين وزنادقة ومتشيّعين وضالّين؟
انسان بسيط تقاعد عن العمل فشعر بالملل ودخل الى عشّ الشيخوخة ووجد ان الجميع من حوله ومن ابناء جيله يلومونه انه لا يذهب الى الجامع للصلاة، قال لي:
"انا اذهب الى الجامع ليس لأنني متدين، بل كإثبات وجود فقط خوفا من حكي الناس
اريد إنْ متّ ان يذكروني في المليح، فقد سمعت ان الناس يجيبون سيرة الذي لا يصلّي بالعاطل بعد ان يموت، فماذا اخسر لو انني جعلتهم يجيبون سيرتي في المليح بعد موتي لا سمح الله، سلامة قلبي"
انه يقوم بهذه المهمة ليس من اجل ربه ومن اجل ايمانه، بل من اجل الأحياء وابناء الدنيا
انه يخاف من حكي الناس اكثر من مخافته من عقاب الله بعد موته، فهو على يقين ان الله محبّ ومتسامح، بينما الناس لا يرحمون ولا يسمحون لرحمة ربّنا ان تنْزل علينا
وبالتالي فهو يقوم بذلك فقط من اجل المجتمع، وهذا دليل ان الناحية الدنيوية هي التي تفرض مادياتها واخلاقياتها على البشر، وليس الغيبيات التي تُستَغل لتقوية سلطة اصحاب السلطان
-2- الايمان لا يباع ولا يُشترى
الايمان ينبع من داخل الانسان ولا يُفرَض عليه من الخارج او بالجينات وبالوراثة
لا يحاسَب الانسان بإيمانه ولا يُسأل عنه ولا عن دينه لأن هذه المسألة تخص الفرد مع ما يعتقده لذاته ولغيبياته، ولا يصحّ ان يوكّل من اجلها محامو دفاع ورجال دين ومُفتون وفقهاء، فهل يحتاج الله والانبياء بعظمتهم الى محامي دفاع بشر ضعفاء كي يدافعوا عنهم؟
ثم يدافعون عنهم امام مَن وممّن؟
كيف ندّعي دائما ان الديانات صحيحة ولكن الخطأ في البشر؟ كيف ندّعي ان المشكلة ليست في الاسلام بل في المسلمين، وان المشكلة ليست في المسيح والكنيسة بل المشكلة في المسيحيين؟ وان المشكلة ليست في الديانة الدرزية بل في الدروز؟ اذا كانت هذه الديانات نموذجية بينما الناتج هو نموذج خطأ من البشر وتصرفاتهم، فعلينا الاستنتاج ان هذا النموذج لم يعد صالحا للاستعمال من اجل تغيير البشر الى الأفضل ما دام البشر يستغلونه الى الأسوأ، وعلينا اعتبار هذه الاديان شيئا من التراث القديم الذي اكل الدهر عليه وشرب، وعلينا ان نبني دستورنا الانساني الأخلاقي الحديث على اسس مستفيدة من التراث، ولكنها معتمدة على عبقرية الانسان الحديث المخترع المبدع ولكن، وهذا مهم جدا:
والانساني والأممي والسامي ايضا
اذا كان الانبياء الثوار الذين اخترعوا الديانات يبدون الآن عاجزين عن تغييرنا الى الأفضل، واذا كان الثوريون العظماء كالأنبياء عبر التاريخ من بعدهم حاولوا ان يتمّموا الناموس او ان يتمرّدوا عليه لرفع مستوانا الأخلاقي والذوقي والروحي والمادي كي تتحسن ظروف حياتنا على هذه الفانية ولم يفلحوا في تغييرنا الى الأفضل، فلا بدّ ان العلّة تكمن في مريض مرضه مزمن
ما دامت جميع الثورات الدينية فعلت مفعولها الى حدّ معين ومن ثمّ وصلت الى طريق مسدود لأنها لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات العصور اللاحقة والمتسارعة وتطورات التاريخ المنطقية، فاننا لابد ان نعترف بامكانية تحجّرها وتقوقعها، مهما حاول متّبعوها والمنظرون لها ان يبتكروا لها اعذارا "منطقية" كي يجعلوها صالحة بأي ثمن لكل العصور ولكل البشر، ويجب اتباعها بحرفيتها بدون ان نحيد عن قوانينها قيد انملة، ومن يتجرأ على ذلك فهو كافر زنديق ملحد يستحق ان ينْزل عليه نوعين من العقاب، عقاب الدنيا وعقاب الآخرة
وحتى لا نتجنّى على المؤمنين، فلكل انسان حرية الايمان والاعتقاد، فاننا نميّز بين المؤمن والمتديّن، فالانسان المؤمن غير الانسان المتديّن
كل انسان مؤمن هو متديّن ولكن ليس كل انسان متديّن هو مؤمن
كثيرون من الثوار المؤمنين عبر التاريخ عملوا لصالح شعوبهم وامتهم وقدّموا ارواحهم فداء لها، ولم يتقوقعوا في طوائفهم ومذاهبهم ودياناتهم، حتى وان كانوا ينتمون الى طائفة قليلة العدد وأقربهم الينا مكانا وزمانا سلطان باشا الأطرش في جبل الدروز والمطران الحجار وعزّ الدين القسام في فلسطين
في الفكر العلماني يستطيع الانسان ان يعيش مع مؤمنين وملحدين، ويستطيع كلاهما ان يكونا وطنيين تحت سقف الوطن الواحد، ويكون الوطن هو القاسم المشترك بينهما وحاميهما وحاميانه تحت مظلة دستوره الراقي والانساني
كيف نستطيع ان ندّعي اننا ابناء شعب واحد ونحن متقوقعون في ادياننا وطوائفنا ومذاهبنا وحاراتنا، وكلما زدنا تقوقعا سكنتنا البغضاء والكراهية والعنصرية وبذور الفُرقة والشقاق؟
نحن نتقوقع جينيا، فكيف تريدني أن أُومن كالفرنسي والصيني والألماني، وهم ليسوا ابناء دين واحد كما يظن البعض، فهم ليسوا جميعهم مسيحيين او بوذيين، بل ان علمانية دُولِهم حلّت عقدة منع الاختلاط الجيني بين البشر، أن أومن اننا ابناء شعب واحد، بينما عمليا على مستوى قرية صغيرة نحن نتقوقع في تعصباتنا الدينية والطائفية والمذهبية؟
في الزّمانات كان الواحد منا يخجل ان يسأل الناس عن دينهم، واما اليوم فأصبح مِن المخجل ان لا يسألك الآخر عن دينك، وإنْ عَنّدْتَ ورفضتَ الاعتراف بدينك فسيعتبرك مشكوكا بأمرك او ملحدا
واذا حقّقت له رغبته وأجبته عن دينك فانه يرتاح لأنه سيَسْهُل عليه تحديد موقفه منك
اصبحتْ سطحيتنا الآن مقتصرة على فضح الآخرين كي نتميّز عنهم ولكي نحدّد مواقفنا منهم ليس لموقفنا من فكرهم ومبادئهم بل لألقابهم "الحزبية" "الدينية" "الطائفية"، وفي المحصّلة
العنصرية
-3- لم تعد الديانات وسائل ثورية تقدّمية من اجل التآخي والتقارب والوحدة والنضال، بل اصبحت وسائل رجعية سهلة الاستعمال على ممتهنيها كي يحوّلوها الى احزاب متعصبة ضد بعضها البعض، وأصبحت وسائل للمحافظة او للحصول على السلطة الدنيوية، وهي لا علاقة لها بشكل عام بالايمان وبالحياة الآخرة بشيء
ان التخويف من عذاب الآخرة اصبح وسيلة قوية للاستيلاء على عقول البشر في الحياة الدنيا كي يزداد "المتدينون" سلطة وبطشا وتمسكا بالسلطة، وبناء على نظرية التحور والتطور وتقدّم التاريخ فهذا لن يطول كثيرا، لأن هذا النهج سوف يُثبت عجزه عن طرح حلول عادلة للبشرية، وسيبحث البشر عن نظام العدالة الاجتماعية في مستويات تفكير اخرى ومع سلطة جديدة مختلفة
تكنولوجيا الفضائيات والانترنت والمعدات الاستهلاكية تغزونا بلا رحمة، وكلما سارعتْ في غزونا سارعنا في الانكماش خوفا ان تصهرنا معها في القرية العالمية الكبيرة، والتي أصبحت قريُتنا الصغيرة أَمامها تبدو بحجم "الهِسٍهْسِة"، فنخاف ان نفقد سلطتنا التي تربّعنا على عرشها لمدة قرون ايام عصور الاقطاع والمجتمعات البطرياركية الأبوية، وصولا الى عصور الثورات الصناعية والمعلوماتية وعلوم الجينات والهندسة الوراثية التي لم نساهم باي منها بشيء، لأننا لم نستطع الانفتاح على احد، بل بقينا متقوقعين في قوقعتنا السلحفاتية او الحلزونية
هل شعار اننا ابناء بلد واحد وقرية واحدة كافٍ لاثبات اننا نملك فعلا مواصفات الوحدة والتكاتف؟ هل كوننا نعيش في القرية ذاتها يعني ان هوّيتنا واحدة وشعورنا الوطني والقومي والأممي واحد؟ هل تصرّفاتنا اليومية في البيوت والمدارس وفي تحرّكاتنا اليومية تدعم مقوّمات هذا الشعار الذي اسمه: "ابناء البلد الواحد والقرية الواحدة والشعب الواحد؟"، ام ان الكثيرين يميلون الى حمل هوياتهم الجديدة التي وُقّعت بحبر أزرق على ورق ابيض بختم :"مفقود الهوية"؟
يجتهد الانسان الهوموسابيان، العاقل، المميَّز عن باقي المخلوقات، طَموحا كي يصل الى بعض الكمال في جماله الانساني الراقي ومجاله الفكري الرفيع على جميع المستويات، فهل نستطيع ان نقارن هذا الشعار الكبير مع ما نطمح حقا للوصول اليه؟
رفعنا شعارات كبيرة، وعندما حاولنا التحرك من اجل تطبيقها وجدنا كم نحن عاجزون عن تطبيقها او تطبيق جزء منها
هتفنا باسم الأوطان والأمة وتحرير فلسطين، واذا بالزمن وبالمصير يمرّان ويمرّان بلا رحمة غير آبهين بصراخنا وبصلواتنا وبتوسلاتنا، فأصابنا الارهاق من ثقل هذه الشعارات وطول مدّة حملها، فأصبحت عبئا على ظهورنا، وشعرنا انها شعارات ثقيلة
اصبح لدينا شعور داخلي خفيّ غير معلن كي لا نُتّهم بالتواطؤ والخيانة انه كان علينا ان نتواضع اكثر ونحمل حملا على قدر طاقتنا، فعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم
تنازلنا وقلنا يجب ان نخفف الشعار وعلينا ان نبدأ التغيير ليس انطلاقا من الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة بل من داخل الشعب، وبقي الحمل ثقيلا، ثم تنازلنا وقلنا يجب ان نغير جزأنا القريب منا ولتَقُمْ باقي اجزائنا باصلاح انفسها مثلنا، فبقي الحمل ثقيلا
قلنا، علينا ان نغيّر مدينتنا، قريتنا، فبقي الحمل ثقيلا
قلنا فلنغير العشيرة والحَمولة، فبقيت الحُمولة ثقيلة
قلنا فلنغيّر العائلة، ومن ثم بيتنا الصغير
اسقطنا من حساباتنا كلمة "نحن" لأنها تدل على مجموعات بشرية تحمل شعارات ثقيلة، وحوّلناها الى "انا" الفرد، ربما نستطيع، عفوا، استطيع ان اغير ابناء بيتي
ربما اغير نفسي اولا
عندها اصبح الحمل معقولا، وعندما اشعر انني استطيع ان اقوم بحمل هذا العبء فسأبدأ بتغيير من حولي بالتدريج ابتداء من بيتي فصاعدا
عند المحكّات الصعبة، يُكرم المرء او يهان
المحكّات الصعبة هي التي تفضح َتمَيُّز الانسان ان كان راقيا ام منْحَطّاً، إيثاريا ام أنانيا، عنصريا ام أُمميا، وطنيا ام خائنا، مثقفا واعيا ناضجا متسامحا عادلا شهما عصاميا محبّبا كريما، ام متخلفا متقوقعا عنيفا عدائيا ظالما ذليلا منافقا مبدئيا منفّرا بخيلا
الخ
ليس بالضرورة ان تكون علاقتي مع قريتي عاطفية فحسب، وليس بالضرورة ان اضع جميع اهل بلدي في السلة ذاتها وأرفع امامهم شعارا قد يبدو ثقيلا لا استطيع حمله، وقد يبدو منافقا ولا أساس له من المنطق، كأن أقول كلنا ابناء بلد واحد ونحب بعضنا بعضا ولا يهم كيف يفكر كل منا واي المحكّات نَحَتَتْهُ على هذا الشكل او فضَحَتْه سلبا ام ايجابا
شريكي في الفكر الانساني السامي والانساني، ومن يملك صفاتٍ من الفكر الراقي والناضج والمفيد يمكن ان يكون ابن بلدي وصديقي اينما كان موقع سكناه، حتى وان لم تكن قريتنا هي مسقط رأسينا
اصبحت القرية الكونية اكثر قُربا الى انتمائنا اليها من القرية القبلية العائلية الطائفية المتقوقعة التي ولدنا فيها ولا زلنا نسكن فيها او ربما
هجرناها