أرسل مُضيفنا في نابلس(أمجد مدني ح.ع.) سيّارة أجرة يقودها شخص يثق به كي يذهب بنا إلى نابلس عبر الطرق الآمنة. ففي تلك الأثناء، كان الوضع مُقلقًا بعض الشّيء، وكانت حواجز كثيرة مُغلقة أو فيها طوابير طويلة. كان السائق متمرّسًا وقادنا إلى نابلس دون مشاكل. هناك، استقبلنا زميل فلسطيني يملك نزلًا متواضعًا، يستخدمه بالإضافة إلى إعالة عائلته، كنوع من الإسكان التضامنيّ للفلسطينيّين الذين يعيشون في أوضاع صعبة. على سبيل المثال، عند وصولنا، كانت هناك امرأة تسكن في النّزل(مع عائلتها)، وقد قدمت من قريتها البعيدة لأنّها كانت تحصل على علاج لحروق أصابتها.
مُضيفنا هو أيضًا مدير مركز مجتمعيّ، فيه حضانة أطفال، ومكتبة، وقسم للعناية بأطفال مع مختلف الإعاقات الجسديّة و النفسيّة. يقع المركز
في مخيم للّاجئين باسم "مخيّم عسکر". ذهبنا لجولة بالحافلة (الملاءمة لنقل كراسي العجلات) التي تنقل الأطفال إلى المركز لمختلف الفعاليات. إنّه مركز مهمّ ومُثير للإعجاب. لا شكّ في أنّ ذلك جزءًا من استراتيجية فلسطينيّة للمقاومة، نحو مجتمع فلسطينيّ يكون فيه مكان للجميع هناك أناس مذهلون، يكرّسون حياتهم للمحاربة من أجل أترابهم.
ومجدّدًا نظّموا لنا سفريّتنا، وهذه المرّة نحو رام الله(المدينة التي تُعتبر "عاصمة" فلسطين). هناك، نزلنا في بناية كبيرة فيها 11 طابقًا، وهي مقرّ جمعيّة الهلال
الأحمر الفلسطينيّ. هناك، توجد ثلاث شقق مخصّصة لنزول الزوّار. لكنّ البناية تشتمل أيضًا على غرف اجتماعات، وصالات لعقد المؤتمرات، ومسرح، ومطعم... وهناك أيضًا طابق مخصّص لإعادة التأهيل ومدرسة للأطفال الصّم، بالإضافة إلى مركز الطوارئ الذي يتحكّم بحركة سيارات الإسعاف في كامل فلسطين. كذلك، تنظّم الجمعيّة زيارات إلى مبنى البلدية أو إلى متحف ياسر عرفات (وقبره المجاور)، وما إلى ذلك. لكن الأهمّ من ذلك كلّه كان المؤتمر/الاحتفال في جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ، احتفالًا بمرور 50 عامًا. في المؤتمر، قدّموا مخطّطات العمل للجمعيّة خلال السنوات الأربع المقبلة. هنا أيضًا كانت جليّة المعاملة الخاصة لإيفا، إذ استقبلها (واستقبلني معها) رئيس الجمعيّة، ودُعِيَت لإلقاء كلمة في المؤتمر. كان المشاركون في المؤتمر مندوبين عن جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ والصليب الأحمر من 10 دول، ومن ضمنها السويد. كان هناك في المجمل 80 شخصًا.
عندما حان دور إيفا بالكلام لمدة 20 دقيقة، كان ردّ الفعل واضحًا. أصغي البعض إليها بصمت، في حين انهمرت دموع الآخرين. عندما أنهت خطابها، وقف الجميع تحيةً وتصفيقًا، وهي المرّة الوحيدة التي جرى فيها ذلك خلال المؤتمر. فجأة، باغتتنا حقيقة الحياة في فلسطين. في الصّباح التّالي لوصولنا إلى رام الله، وصلتنا أخبار اغتيال 3 فلسطينيّين من قبل الاحتلال الإسرائيليّ، وكان أحدهم من مخيم عسكر، المجاور لنابلس، الذي زرناه في اليوم السابق. وأتى الردّ على شكل مهاجمة فلسطينيّين لمحطّة حافلات وقتل جنديّين إسرائيليّين ومدنيّ واحد. بطبيعة الحال، رفع ذلك من منسوب التوتّر وجعل السفر عبر الطرقات محفوفًا بالمخاطر.
سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة العاشرة)
هذه الحلقة العاشرة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها
التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر.
بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com