كثيرة هي الأوصاف السلبية التي تطلق على السعودية، التي كانت تسمى بلاد الحجاز، وغير إسمها الملك عبد العزيز آل سعود أول ملك لها، إلى اسم "المملكة العربية السعودية" نسبة لآل سعود. ومن هذه الأوصاف على سبيل المثال:" أطهر أرض وأنجس نظام". والسبب في هذه التسمية يكمن في الممارسات اللاأخلاقية لأفراد العائلة المالكة بشكل عام وأفراد النظام بشكل خاص، لا سيما وحسب تقارير دولية فإن الفسق والفساد والرذيلة تعشعش داخل هذا النظام. والمصيبة هناك من أوجد صفة كاذبة للملك حيث وصفوه في السعودية بأنه "حامي الحرمين الشريفين" لكن الحقيقة هي عكس ذلك، لأنه من ناحية فعلية "مدنس الحرمين الشريفين" وكثيراً ما نشرت فضائحة الصحافة العالمية.
حدث يندى له الجبين، تناقلته وسائل إعلام عربية وعالمية يتعلق بالقرآن الكريم. فقد نشرت صحيفة "إيلاف" السعودية في العشرين من الشهر الماضي مقالاً لكاتب غير مسلم وغير عربي يدعى "جرجس كوليزادة" يطالب "بإعادة كتابة القرآن من جديد لأنه مكتوب بالرسم العثماني" مدعياً زوراً وبهتاناَ " وجود أخطاء إملائية في الرسم العثماني". هذا المقال أثار غضباً كبيراً لدى مواقع التواصل الاجتماعي بسيب وقاحة كاتبه، وبالدرجة الأولى وقاحة صاحب صحيفة إيلاف الذي سمح بنشر المقال.
إذا ألقينا نظرة عامة على الأحداث التي مرت خلال الفترة الزمنية القصيرة الأخيرة، لوجدنا أن المقال له ارتباط بهذه الأحداث من جهة، ومن جهة أخرى له أيضاً خلفية سياسية تتعلق بالسعودية وتركيا. صاحب الصحيفة اسمه عثمان العمير، المعروف بولائه حتى النخاع للنظام السعودي، خصوصاً وأنه يعتبر أحد المقربين جداً من ولي العهد محمد بن سلمان ومستشاره الخاص. لذلك من حق المواطن العربي أن يطرح السؤال: كيف يتجرأ العمير نشر مقال مثل هذا، ولماذا لم يحدث المقال أي ردة فعل لدى قادة النظام السعودي وخصوصاً لدى محمد بن سلمان، علماً بأن السعودية تعتبر نفسها نظرياً المدافع الرئيس عن الإسلام والقرآن، خصوصاً أن أهم مقدسات إسلامية (وللأسف) موجودة فيها.
هذا المقال ينشر في وقت تشن فيه حملات تحريض ضد تركبا بشكل عام والرئيس التركي أردوغان بشكل خاص بسبب استعادة مسجد آيا صوفيا وكان المدعو جرجس كوليزادة أحد الذين يثوا سمومهم في هذا الموضوع. على فكرة هذا الكاتب يكتب بشكل دائم في صحيفة إيلاف. والسؤال المطروح أيضاً ما الذي يريده العمير من وراء نشر هذا المقال؟ وهل أن نشره جاء صدفة أم بتنسيق مسبق مع أجهزة سعودية لها مآرب معينة؟ بالطبع، فإن شخصاً مثل عثمان العمير كان لفترة يتولى رئاسة تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن والتي تعتبر صحيفة النظام السعودي، ومن كبريات صحف منطقة الشرق الأوسط، فإنه لا يقوم بأي حركة خصوصاً إذا كانت تتعلق بالإسلام ، قبل الننسيق مع جهات سعودية.
فجأة، اكتشف كوليزادة أن الرسم العثماني في القرآن فيه أخطاء. يا للصدفة: هذا الإكتشاف (العبقري) تم بعد إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وللمعلومة فإن السعودية ضد الخطوة التركية، لأن السياسة بالتالي هي التي تلعب دوراً أساسياً في أي حدث وليس المبدأ أو الدين.
النصراني كوليزادة دعا في مقاله إلى ما أسماه "رؤية معاصرة تخدم المسلمين والإنسانية كافة قائلا إنه: "حان الوقت لإعادة النظر في الأصول الشرعية والفقهية التي تخص الإسلام". ويواصل كوليزادة هذيانه بالقول: " إن الزمن قد حان للتعامل على أساس المنطق والعقل مع النصوص الدينية والخروج من عالم الغيبيات، وغربلة النصوص الدينية من الأخطاء النصية والفكرية
ما هذا الهراء والكلام الفارغ المقصود منه فقط التشكيك في الإسلام. هناك فلاسفة وعلماء غير مسلمين لهم مكانتهم العالمية، يرون ان كافة القطع النثرية وما تم تدوينه من روائع الكتابات لا يعد شيئاً مقابل القرآن الكريم. إسمع يا كوليزادة أنت وصاحب "إيلاف" رأي بعض هؤلاء:العالم الايطالي كونت ادواردكيوجا قال: "لقد طالعت وبدقه على الاديان القديمة والجديدة وخرجت بنتيجة هى ان الاسلام هو الدين السماوي والحقيقي الوحيد وان الكتاب السماوي لهذا الدين وهو القرآن "الكريم" ضم كافة الاحتياجات المادية والمعنوية للانسان ويقوده نحو الكمالات الاخلاقية والروحية. المفكر والفيزيائي الالماني المشهور آلبرت اينشتاين، قال: " إن القرآن الكريم هو مجموعة من القوانين التي تهدي البشرية إلى الىطريق السوي، الطريق الذي تعجز اكبر النظريات الفلسفية عن تقديمه او تعريفه .
أما الفيلسوف الفرنسي المشهور فرانسوا ماري فولتر، فقد كان في منتهى الصراحة والشفافية في هذا الموضوع، إذ قال:" أنا على يقين انه لو تم عرض القرآن والانجيل على شخص غير متدين لاختار الاول اذ ان الكتاب الذي نزل على النبي محمد (ص) يعرض افكارا تنطبق وبالمقدار اللازم مع الاسس العقلية.
صحيح أن "السعودية أطهر أرض وأنجس قوم"، لكن هذا الوصف ليس بالمطلق، فليس كل السعوديين كذلك، فهناك من يعارض سياسة النظام وممارساته. الكاتب السعودي تركي الشلهوب: قال في تعليق له على المقال:“أي وقاحةٍ هذه، لقد بدأوا بالطعن بالبخاري ومسلم، والآن انتقلوا للقرآن الكريم”. واضح تماما أن مقال كوليزادة هو استخفاف بالثوابت الدينية وأصول الدين، ولم يبق بعد سوى الدعوة إلى إعادة الأصنام إلى الكعبة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com