مخاضٌ يُؤْذِنُ بميلادٍ جديدٍ للأمَّةِ| بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

ابراهيم عبد الله
نُشر: 01/01 16:00,  حُتلن: 16:22

احيانا أشعر بالحيرة من ترقب العرب (بلهفة!!!) لما ستأتي به انتخابات الرئاسة الأمريكية في شهر تشربن ثاني/نوفمير المقبل من نتائج.. تنبع حيرتي من توقع - او بكلمات أكثر دقة - من (وَهْم) ان يكون الثنائي (بايدين/هاريس) مختلفا كثيرا عن الثنائي (ترامب/بينس).. هذا الترقب لا يدل على مجرد "فضول" عند العرب والمسلمين، او دليل "طفرة" بحثية اكاديمية سكنتْ العربَ فلا تدعهم يَقِرُّونَ الا إذا عرفوا كل شيء عن كل شيء حول العالم بهدف الاستفادة القصوى من تجارب الآخرين من أجل رسم مستقبلهم، والتعرف على نقاط الضعف والقوة عند غيرهم بهدف موضعة أنفسهم على قمة هرم السيادة والقيادة العالمية!

ليس شيء من هذا أبدا مع الأسف، وانما هو العجز الذي يجعل أمة لديها من الإمكانيات والطاقات والمرجعيات الدينية والوطنية ما يجعلها سيدة العالم بلا منازع، في قاع سحيق من الانحطاط الحضاري والمدني والسياسي.. لا لسبب سوى انها سَلَّمَتْ قِيادَها لمجموعة من الحكام العاجزين الذين فشلوا في استثمار إمكانات الأمة لرفع شأنها وتعزيز حضورها، بينما أبدعوا في سحق شعوبهم وتدمير اوطانهم خدمة لأعدائهم، وطمعا في الحظوة بحمايتهم ليظلوا على كراسي الحكم على جثث شعوبهم الى الابد!

لقد كنا في هذا الفيلم أكثر من مرة.. مرت على البيت الابيض الامريكي ادارات جمهورية واخرى ديموقراطية منذ فجر الصراع الشرق او سطي، ومنذ ان وُلدت القضية الفلسطينية! ما الذي جنته فلسطين والشعب الفلسطيني من توالي هذه الادارات على حكم الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في فترة كانت فيها الصراع محتدما بين القطبين الاكبرين في العالم (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي)، أوفي فترة انفردت فيها الولايات المتحدة الامريكية بحكم العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؟!...

"المؤسسة/الدولة العميقة" بالمعنى الغربي لا بالمعنى الشرقي العربي، المتحكمة في مفاصل الدولة في أمريكا، لن تسمح لأحد بتجاوز الخطوط المرسومة للسياسات الكبرى التي تتحكم بها مجموعات الضغط الاقتصادية والسياسية والإعلامية المتنفذة والعابرة للقارات، بغض النظر عن وجود ادارة ديموقراطية او جمهورية في البيت الابيض.. كل ما يمكن ان تسمح به "المؤسسة" هو الحركة في هامش ضيق اغلبه خطابي وليس عمليا، هامشي وتجميلي لا يمكن ان يمس بحال شبكة الاعصاب الحساسة للسياسة الامريكية.. اما الخطوط الحمراء وفي قلبها: تفوق اسرائيل وحمايتها ودعمها بلا حدود مهما ارتكبت من جرائم او انتهكت من قرارات الشرعية الدولية من جهة، والابقاء على الانظمة العربية والاسلامية المستبدة والفاسدة قدر المستطاع على سدة الحكم، في دويلات وظيفية لا تمثل الاشواق الدينية والوطنية والقومية لشعوبها من جهة اخرى..

ليس من الصعب ملاحظة ان الادارات الامريكية المتعاقبة حافظت على هذا الإطار منذ بداية القرن العشرين والى الان، وما وقوف الادارات الامريكية المتعاقبة ظاهرا وباطنا ضد ثورات الربيع العربي، ودعمها للثورات المضادة التي ابادت الشعوب ودمرت البلاد، ورهنتها للقوى الخارجية، الا دليلا على صدق ما اشرت اليه.. لعل ما اعلن عنه ترامب ونتنياهو وبن زايد الخميس الماضي من قرب التوقيع على اتفاق سلام كامل بين اسرائيل ودويلة الامارات برعاية امريكية الا نموذج لهذه الرعاية الصهيو - امريكية لكل الانظمة المستبدة والمجرمة في العالم العربي تحقيقا للاستراتيجية الامريكية ذاتها: حماية اسرائيل وديمومة تفوقها، والابقاء على حالة الانحطاط العربي، حتى لا تقوم قوة عربية/اسلامية ذات مصداقية تضع حدا فاصلا بين مرحلة "الانحطاط" التي تحكم الامة العربية منذ مائة عام، وبين مرحلة "نهوض" حقيقية يفرزها الشعب، تنقل الامة الى مصاف الامم الحرة والمستقلة على الحقيقة إرادة ووعيا وقرارا وسياسة وسيطرة على إمكاناتها المادية والمعنوية، بعيدا عن هيمنة الغرب والشرق الذي اتفق، وإن من وراء الكواليس، على اقتسام النفوذ الذي رسمته سايكس - بيكو منذ العام 1916..

واحدة من تجليات هذا الوضع وانعكاساته البائسة التي تدل على عمق أزمة الانظمة العربية / الاسلامية الا مَنْ رَحِمَ الله، نجاح الرئيس الامريكي دونالد ترامب الصديق وفريقه الصهيوني، الأكثر وضوحا وصراحة وتحديا في ولائه للصهيونية ولإسرائيل، من تطبيع العلاقة – كما اشرت سابقا - بين نظام الإمارات العربية المتحدة بقيادة "سفاح اليمن" محمد بن زايد، ونظام الفصل العنصري الاسرائيلي الصهيوني، الذي ما يزال يعلن رفضه لأي حل مع الشعب الفلسطيني يفضي الى دولة من اي نوع وبأي شكل.

صحيح ان ترامب تفوق على غيره من الرؤساء الامريكيين في ذهابه بعيدا في تنفيذ السياسة الامريكية حيال اسرائيل والتي حرصت الادارات السابقة على تنفيذها بصورة تدريجية اخذا بعين الاعتبار الظروف الدولية والعلاقات البينية، والحرص على عدم احراج حلفائها من العرب.. إلا أنه وكما يبدو، فقد وصل ترامب الى قناعة تامة أَلا حاجة لسياسة "التدرج" او "المرحلية" في ظل الانهيار العربي غير المسبوق، والسباق المحموم في اتجاه التطبيع مع اسرائيل، وان الظروف أكثر من مناسبة لاختزال المراحل والوصول الى الهدف مباشرة دون إبطاء..

جاء "قانون القومية" الاسرائيلي منسجما مع السياسية الامريكية ومكملا وممهدا لها، وهو القانون الذي سنته حكومة نتنياهو اليمينية عام 2018، والمدعوم حاليا من حكومة الوحدة الوطنية (الليكود - ازرق ابيض - الاحزاب المتدينة)، جاء ليلغى فعليا حق الشعب الفلسطيني في تقرر المصير، وشطب الحقوق الفلسطينية الوطنية المشروعة في اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، وعودة اللاجئين، وتنفيذ كل القرارات الدولية ذات العلاقة والتي اعترفت الأسرة الدولية، ممثلة بالأمم المتحدة، بموجبها بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو موقف دولي رسخ في قرارات عدة من ضمنها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (3236) و (2649) و (65/455)، والتي أكدت أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير هو حقٌ غير قابل للتصرف، وأن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولة "مستقلة وذات سيادة". كما أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (2672) على أن احترام حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف يشكّل جزءًا حيوياً من التوصل إلى سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في الشرق الأوسط. وفضلاً عن ذلك، أقرّت محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية الصادرة في العام 2004 بشأن تشييد جدار الفصل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بعدم قانونية تقويض حق الفلسطينيين في تقرير المصير.

تجاهل قانون "القومية" الاسرائيلي العنصري، كما تجاهلت الادارة الامريكية الحالية برئاسة ترامب، الحقائق القانونية والاعترافات الدولية بفلسطين والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي: في 14 تشرين أول/أكتوبر 1974، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثل الشعب الفلسطيني ومنحت الحق في المشاركة في مداولات الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين في الجلسات العامة. في 22 نوفمبر 1974، مُنحت منظمة التحرير الفلسطينية مركز المراقب من غير الدول، مما أتاح لمنظمة التحرير الفلسطينية المشاركة في جميع دورات الجمعية، وكذلك في منابر الأمم المتحدة الأخرى. في 15 ديسمبر 1988، أقر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/177 "إعلان الاستقلال الفلسطيني الصادر في نوفمبر 1988 واستبدل" منظمة التحرير الفلسطينية "باسم" فلسطين " في منظومة الأمم المتحدة. في 23 سبتمبر 2011، قدم الرئيس محمود عباس باسم منظمة التحرير الفلسطينية طلبا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة. في 29 نوفمبر 2012، منحت الجمعية العامة فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19. في 17 ديسمبر 2012، قرر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة يوتشول يون أن تستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية.

كما وتجاهلت الدولتان المارقتان امريكا واسرائيل القرار رقم 2334 الذي اعتمده مجلس الامن الدولي بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2016 ، بأغلبية ساحقة (تأييد 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت)، الذي كرَّرَ مطالبة إسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، مؤكدا على عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ويعتبر إنشاء المستوطنات انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.

واجهت سياسة ترامب المندفعة بلا كوابح في اتجاه تحقيق أحلام اليمين الإسرائيلي في إقامة "إسرائيل الكبرى"، انتقادات كثيرة من داخل الولايات المتحدة ومن خارجها، إلا انها لم تكن كافية لوقف هذا الاندفاع وترجمته فعليا على ارض الواقع في عدد من القرارات التي تحدى بها ترامب الإرادة الدولية وقراراتها، والتي من أهمها الاعتراف بالقدس الشرقية المحتلة عام 1967 جزءا لا يتجزأ من عاصمة إسرائيل "الموحدة والأبدية!"، والاعتراف بالجولان السوري المحتل منذ العام 1967 جزءا من إسرائيل، والاعتراف بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة المحتلة واعتباره شرعيا، وأخيرا كشفه عن خطة القرن والتي جاءت ترجمة حرفية لما جاء في قانون "القومية" الصهيوني العنصري، بل وتجاوزته من جهة اليمين بأشواط!

إلا أنه من الواضح في المقابل ان ظروفا دولية وعربية شجعت ترامب ونتنياهو على المضي في طريق تحديهم للإرادة الأممية، حتى بدأوا بالتصرف بصفتهم الشرعية الدولية ذاتها، وما يقولانه فهو الشرعية، وما يقوله غيرهم او تقرره المنظمات الدولية، فهو الخارج عنها.. من اهم هذه الظروف التي شجعت ترامب ونتنياهو، الانهيار العربي – الإسلامي غير المسبوق، وعدم جدية المجتمع الدولي في معالجة هذا التمرد الامريكي – الصهيوني على الشرعية الدولية، واكتفائه ببيانات الإدانة والاستنكار وإبداء القلق في الحد الأدنى، وفي استعمال حق الفيتو او الامتناع عن التصويت في مجلس الامن لمنع تمرير مشروعات قرارات أمريكية، لن تمنع ترامب من تنفيذ مقتضاها بدون الحاجة الى قرار.. مثال ذلك، الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته أمريكا (أوباما)، والأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي، والذي فتح الباب واسعا لخفض التوتر في منطقة الشرق الأوسط، ألغاه ترامب بجردة قلم، دون ان يرف له جفن، او يحسب حسابا لأحد بما في ذلك حلفائه الأوروبيين..

يُخطئ من يعتقد ان سلاما بين الامارات وإسرائيل، او أن سلاما بين كل الدول العربية وإسرائيل، وأن خيانة عربية فاضحة وصريحة لأم القضايا العربية والإسلامية وهي قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك، يمكن ان تحقق سلاما او امنا او استقرار لأحد. العكس هو الصحيح! إن مزيدا من الانهيار العربي سيدفع الشعوب الى مزيد من اليأس والإحباط، وسيزيد من الضغط النفسي عليها، الأمر سيهيئ لانفجار كبير سيصيب بشرره الجميع بلا استثناء.. شهد شرقنا – مع شديد الأسف – قديما وحديثا، خيانات (على ندرتها لكنها موجعة) على مدار تاريخه الطويل، تحالَفَ خلالها زعماءُ خونةٌ مع أعداء الامة ضد قوى النهضة في الامة، فكانوا شوكة في خاصرتها ظلت تزعج حتى تم اقتلاعها تماما، لِتُداس تحت أقدام الاحرار والشرفاء..

لن تكون الصورة مختلفة أيضا هذه المرة، ولن تمر خيانات هؤلاء الاقزام دون عقاب إلهي يهيئ لحراك شعبي يضع الأمور في نصابها.. ليست خيانة بن زايد هي الاولى، فكلنا نذكر خيانة العرب للخلاقة العثمانية وتحالفهم مع بريطانيا وفرنسا ضدها، ليُداسوا بعدها بأحذية من تحالفوا معهم ووثقوا في وعودهم.. نذكر ايضا اتفاقية فيصل - وايزمان ورسالة الملك المؤسس سعود الداعمة للصهيونية (كلاهما في العقد الأول من القرن الماضي). نتذكر وعد بلفور البريطاني ووعد كامبون الفرنسي لدعم الاستعمار الصهيوني عام 1917. نذكر أيضا خدعة عام 1948 عندما أرسل القادة العرب قوى رمزيًة إلى فلسطين تحت قيادة البريطاني (غلوب باشا)، من اجل تنفيذ مخطط سمح للعصابات الصهيونية المدججة بالسلاح والمدعومة مباشرة من دول الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا)، بتوسيع رقعة الدولة المحددة حسب قرار التقسيم للعام 1947م ب – 52%، لتصبح بعد الحرب 78% من مساحة فلسطين، وهي الحدود التي صادقت عليها كل الدول العربية التي خاضت الحرب!!، ووقعت عليها في إطار اتفاقيات رودس مع إسرائيل في العام 1949م..

لم تتوقف خيانات بعض الأنظمة العربية يوما، ويبدو انها لن تتوقف، لسبب واحد ووحيد، وهو ان هذه الأنظمة لم تأت الى الحكم بإرادة شعوبها، ولا تمثل مصالحُهُم مصالحَ شعوبِهم الدينية والوطنية بحال من الأحوال، ولا يعنيهم أمْنُ شعوبهم ولا حياتهم ولا مستقبلهم (الامارات، السعودية، البحرين، مصر، سوريا.. الخ.. كنماذج).. حكام الامارات وامثالهم ليسوا أكثر من عبيد للقوى الدولية التي تحمي عروشهم من انتقام شعوبهم القادم، والدويلات التي أقامها لهم المستعمرون ذاتهم، ليست أكثر من دويلات وظيفية لا تحمل من صفات الدول السيادية شيئا، فهي أنظمة ودول أشد فتكا بالثوابت العربية والإسلامية من المستعمر/المستخرب الغربي القديم...!!

السؤال الأهم: أين الشعوب العربية والإسلامية بكل قواها الحية؟ نحن على ثقة ان هذه الشعوب لن تنسى قضيتها المركزية، لكن المطلوب منها أكثر من مجرد ألا تنسى قضيتها، او أن تظل صلتها بها صلة عاطفية جياشة! المطلوب الا ترضى هذه الشعوب الدَّنِيَّةَ في دينها ووطنها وكرامتها وحقوقها التي منحها الله تعالى، وإن تبدأ في التحرك والتنظيم والعمل من أجل تغيير هذا الواقع الذي تتجرع علقمه وحيدة، بينما يفرك بن زايد وامثاله أيديهم فرحا وسرورا وحبورا!...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة