لا يموت الوطن فينا وان اغتالت الخيانة الأرض الصامدة، التي تهشمت خلجاتها بجروح ساقية التراب بفوح سنبلة عانقت الأرض باسقة، تخاطب اسراب الطيور المغردة بهمسها الحان النايات الدلعونية...
ولا تسألني ما الوطن؟! أيها الهائم في بحر الفرنجية، فانا لا أؤمن بعبارة "الفرنجي برنجي"، فان انت اخترتَ "الكنجية" فانا اختار الفروسية...!
ويْحك فانت لا تدرك حروف الوطن حين تنتثر في زهر اللوز الممتزج بألوان النقاء والصفاء، يتوسّطه الورديّ الزاهي. فحبات اللوز الأخضر ذائقة لا يستطعمها الا زنود اعواد وطنية.
ابقَ كما انت غارقًا في وهمك الفاسق، تقبع في صحراء افقدتك حواسك. فلا تستطيع ان تشتم الوطن في بيارات البرتقال التي تروي تاريخا، وعلامات فارقة من رموز استقطبتها "الفرنجية" وبات برتقال يافا علامة تجارية.
فانت، يا مشرد القيم، لا تعِي وطن السنديان الراسخ على جبال، غرست أوتادا تجابه بشوكها ظلم الاستيطان وتعالج قروح جروح الوطن السليب بصمودها كصرخة تاريخ زلزلية.
انه مترسخ في حبات الزيتون، المتناثرة في الربوع ولا تنطق عن الهوى، انما هو وطن جاري في أوردة الجذور حين تعتصرها الرحى فتسيل زيوت بكرية.
تناجيني شجرة التوت لأكون خيطا حريريًّا، تنسجه أنامل سيدة الأرض فتطرّز شالات اغترزت الوطن في الكوفية.. إنما هو حُفر بحروف على أحجار البيوت، يصدح صداها في القباب المقدسة تشهد لتاريخ عاثت به غربان وحشية.
انه يفوح من المربى الخليليّ، الذي نما في عروق " الدالية" الجندلية التي تزين باحات البيوت الكنعانية. ويخجل الخروب ان يخبرك عن كنعانيته المتأصلة، وعن الوطن الرامي في لبّ قرونه، وعن دبسه الذي طالما صنعته جداته التي ارتدت ثياب الوطن، بغرزاته المزركشة والثوب المجدلاويّ والجلجليّ وأبو ميتين والشروقيّ والمقلّم والسبعاوي والتلحميّ والدجانيّ والزمّ والملس المقدسيّ والاخضاريّ... كلها تتلفظ التاريخ في زخرفية الأحمر والأبيض والاخضر والأسود، وتعتلي شموخ سيدات الأرض شطوة صكّت بذهبيات وبخيوط الحرير القرمزية.
اناملها تعانق الزعتر غذاء ودواء، تعجن في البرية فيجتمع القمح امتزاج الزعتر وزيت الزيتون، فيلتقي التاريخ عشقه الازليّ للأرض المقدسة. فلا تغيب رائحة "خبز الطابون" ولا "المناقيش" ولا "أقراص الزعتر"، فتحاورها أكواز الصبّار النابض والشاهد على معارك الحدود، لتشهد تشبث الأرض في قلوب ماسيّة تبنّت الرباط والثبات وستبقى فلسطينيّة...!!