لم تأت النّهاية السّعيدة لرواية المطلّقة من فراغ.. ولم تكن أشبه بنهاية الفيلم الهندي، الذي هدفه الوحيد التّرفيه عن النّفس، وقضاء وقت ممتع مع أبطال الفيلم. وينتهي الفيلم بالتقاء الحبيب والحبيبة، فيصفّق لهما المشاهدون على أنغام أغنية تنعش قلوبهم وتأسرها وتمسح دموعهم، بعد قضاء ساعتين من الزّمن، وهم يذرفون الدّموع على الرّغم من عدم وجود أيّ تسلسل درامي مقنع، يشعر المُشاهد بواقعية الأحداث.
رواية المطلّقة للأديب جميل السّلحوت.. التي صدرت مؤخرا عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، هي الجزء الثّاني من رواية الخاصرة الرّخوة، التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والدينية، وهو الآن يطلّ علينا بالجزء الثّاني؛ ليرسّخ أفكاره وقناعاته؛ ويدعم كل واحدة منها بآيات قرآنيّة تؤكد على صحّة ما يطرح، وتجيب على أيّ تساؤلات قد تنجم عند قراءة الرواية.
المطلّقة رواية واقعيّة من روح المجتمع العربي الشرقيّ، كُتبت بقلمٍ حبر دواته مصنوع من آهات مجتمع ينزف من ظلم يحيق بالمرأة العربية، على مرأى من جميع أفراد الأسرة، دون تحريك أيّ ساكن، وكأنّه قدرها، عليها القبول به دون اعتراض، وإلا ستخرج عن الصّف المجتمعي التّقليديّ، وتتسبّب لعائلتها بالعار. إذ لا زال المجتمع العربي يوصف بالذّكوري، على الرّغم من أنّه بدأ يخطو خطوات واثقة نحو حصول المرأة على حقّها، بعد أن أدركت المرأة حقوقها، وبدأ المجتمع بتقبّل الواقع الجديد تدريجيا، لما فيه مصلحة المرأة التي يقع على عاتقها تربية الأجيال.
"المطلّقة" عنوان يفتح ملفّات اجتماعيّة ساخنة، ويضعها على طاولة النقاش بامتياز، إذ ضرب السّلحوت أكثر من عصفور واحد بحجر واحد. تطرّق من خلال روايته إلى عدة أمور، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه من خلال أحداث واقعيّة تناولها بنظرة ثاقبة، أهدافها واضحة، وعرضها بأسلوب مقنع وشيّق، ولغة السهّل الممتنع.
رسالة أراد أن يوصلها للقارىء وهي أنّ حياة " المطلّقة" لا تنتهي بانفصالها عن زوجها، بل قد تكون البداية لحياة أفضل تجد فيها نفسها، وتكون بذلك قد صلّحت خطأ دفعت ثمنه غاليا خلال فترة زواج غير موفّق، ذاقت فيه الأمرّين، كما حصل مع جمانة، إذ ضغط عليها والدها بالزّواج من أسامة، الذي قام بانتهاك إنسانيّتها، دون إدراكه لذلك. فقد كان جهله وتفسيره وفهمه الخاطىء لتعاليم الديانة الإسلامية وراء ذلك، على الرغم من أنّه درس الشّريعة الإسلامية، كان يمارس انتهاكاته بحق زوجته باسم الدّين.. اعتقد أنّه على حقّ في كلّ ما يفعل. وحتّى عندما تمّ الطلاق لم يذكر أسامة زوجته جمانة إلا بالخير، ولا زال لا يستوعب سبب طلب زوجته الطّلاق منه، فقد رآها خير زوجة.
وهذا يفتح نقاشا عميقا حول مفاهيم شبابنا وقناعاتهم، وتربيتهم وتنشئتهم والبيئة التي كبروا وترعرعوا فيها، ومدى اطلاعهم على الثقافات الأخرى، وقراءاتهم كتبا لعلماء الّدين والمجتمع إلخ.. فلا يكفي أن يحصل المرء على أعلى الشّهادات الجامعية ليكون إنسانا ناجحا، بل عليه أن يثقف نفسه في عدة مجالات مختلفة، وعليه احترام آراء من حوله والاستماع لهم دون تعصب، فقد يجد الحلّ الأمثل هناك.
أمّا جمانة المطلّقة، والأم لطفل يعيش معها- حصلت على حق حضانته-.. فلم يشكّل لها عائقا لإعادة الارتباط بزوج آخر عرف قيمتها، واحترم إنسانيتها، وقام بواجبها وبواجب طفلها خير قيام. إذ كان الزّوج المحبّ لها، والأب الحنون لطفلها، وسعى جاهدا أن يعوّضها عن معاناتها مع زوجها السّابق.
وهذه رسالة واضحة للمجتمع، مفادها أن من حق المرأة المطلقة أن تأخذ فرصة أخرى؛ لتعيش حياة تحقق لها سعادتها مثلها مثل الرجل تماما.
أمّا الشّعوذة والجهل فقد كان له نصيب أيضا في الرّواية. كانت أمّ أسامة إحدى ضحايا مشعوذ قذر، استغلها واستباح شرفها، وأخذ مقابل ذلك مبلغا كبيرا من المال، بحجة تخليصها من الجنّ، ولم تكتشفه إلا بعد سقوطها بالرّذيلة.
جاء في الرّواية العديد من التساؤلات حول زواج الانس من الجن.. وجاءت الإجابات المختلفة على ألسن عدد من شخوصه دون تدخّل الكاتب، ودون أن يضع لسانه في فم أيّ من الشخوص، وبذلك يطرح موضوعا في غاية الأهمية لمجتمع يؤمن بهذا الأمر، ولا زال يبحث عن الإجابه. لقد كان ذلك في صالح الرّواية.
أمّا زواج المثليين فقد كان له نصيب أيضا، تم طرحه على المستوى الفسيولوجي والاجتماعي والدّيني أيضا بشكل موفّق.
وفي الختام.. نجح الكاتب أن يكون موضوعيّا.. فصوّر في روايته المرأة الطيّبة وصوّر المرأة الشّيطانة، وكان هناك الرّجل الطّيب وكان أيضا الرّجل الشّيطان، فهذا هو المجتمع خليط من الخير والشّر، وعلى كل شخص أن يدفع ثمن أخطائه وسلوكياته كفرد في المجتمع، وليس لنوعه الاجتماعي، كان ذكرا أو أنثى، وقد أنصف السّلحوت بذلك المرأة كما هو دوما، عندما أعطاها حقّها في نصوصه الأدبية، التي تسعى دوما لتحقيق العدالة.