المجتمع الفلسطيني بالداخل تشوبه آفات عديدة من اجرام منظم وانعدام الاحترام والاخلاق والمحسوبيه وهدم الحيز العام واغتصاب البيئة وألانا التي اصبحت التعريف الوحيد للكل والذات. القيم التي كانت يوماً ما رمز مجتمعنا العربي الفلسطيني الاصيل اصبحت في خبر كان والكل يبحث عن قارب النجاة في حياة تعصف بالفرد والمجتمع يوماً بعد يوم. والكل يسأل ما العمل ؟ اين المخرج من هذه المصيبه؟
قبل الاجابه على هذه التسائلات المحقة يجب ان اصارحكم بان تجارب الشعوب الاخرى التي مرت وتمر بذات المحنه وذات الآفات ترينا جلياً بان لا حل سحري سريع لهذه المعضلات. التغيير الى الافضل والبدء في تكوينة مجتمعيه عصرية تراعي التطورات الجمه في عملية تكوين المجتمع وصقل اشلائه ومؤسساسته هي عملية تراكميه تحتاج وقتاً طويلاً وصبراً ايوبياً ومثابرة عصامية جبارة.
اسباب هذه الآفات الاجتماعيه المتجذرة في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل عديدة جداً ومتشعبة وتمحيصها مهمه بحد ذاتها لا تنتهي الى عند بداية الانتقال من الفوضى الى بنية اجتماعية جديدة تحترم تاريخ المجتمع الماضي وتأخذ بايجابياته وتتطورها وتلقي بالشوائب الضارة خلفها وتتجاوزها.
قبل ان نركض وراء الحكومة والشرطة ونحن ندرك بقريحة قلبنا انهم جزء من المشكله وليس اداة للحل، من الواجب ومن المجدي ان نبدأ ونسأل انفسنا ماذا فعلنا خطأً ؟
المجتمعات تحصد ما تزرعه في تربية اجيالها وزرع القيم المختلفه في عقولها ووجدانها على مدار سنين طويله… ونحن في الداخل الفلسطيني احسن مثال على ذلك. منذ حوالي ثلاث قرون تسربت الى مجتمعنا وعششت في فكره الجمعي قيم وعادات لم تكن شائعة بهذا الكثافه وهذا الزخامه التي نراقبها ونسجلها.
في مقدمتها كان وما زال مكانة تكديس المال والثروه بموقع الشخص بالمجتمع. لم تعد الشهامة والتحصيل العلمي والاخلاق والتواضع وعمل الخير والوطنية قيم تعطي لصاحبها مكانة اجتماعيه وحل محلها الثراء. كمية المال التي تجمعها تقرر مكانتك الاجتماعيه وبعلاقة طردية رهيبة. وسبل تجميع المال لا تلعب دور في التقييم… كل شيء وكل طريقة وكل وسيلة مباحه ومتاحة لتكديس الاموال والمجتمع يضمن لك بعدها مكانة مرموقه داخله… بها تحظى بالاحترام والتقدير ورأيك يصبح مؤثراً بقدر ضخامة ثروتك. لم نعد نسأل من اين لك هذا؟ المهم انك غني وتركب سيارة فخمة وتبني بيت ضخم. هكذا تعلم الشباب منذ الصغر ان الاجرام وتجارة المخدرات والسلاح والسمسرة والسرقة والسطو هي اقصر الطرق للوصول الى الثروه والى الجاه الزائف. هذا الديالكتيك العقيم يزداد يوم بعد يوم واصبح ميزة العقل الجمعي في المجتمع الفلسطيني بالداخل.
مجتمعاتنا، ورغم زيادة عددها بالعقود الاخيره، الا انها بقيت مجتمعات قرويه بتركيبتها الاجتماعيه...الكل يعرف الكل ويعرف كل شيء عن كل شخص ورغم هذا لا نرى ان هنالك تغير في التعامل… الاكثريه الساحقه في كل قريه ومدينة فلسطينية تتعامل مع مكدس الاموال من تجار السلاح والمخدرات والنهب وكأن الامر عادي… الكل يشارك هؤلاء اطرافهم وافراحهم ويحاول ان " يتزين" بصداقتهم وعلاقته معهم … فلا عجب اذا ان يصبحوا هؤلاء "القدوة" لجيل الشباب ولا عجب ان الاجرام والكذب والسمسرة اصبحت امر عادي لتكديس المال.
علمنا شبابنا منذ الصغر ان التحصيل العلمي اصبح فقط للجاه وتجميع المال وليس للمعرفه واغناء المجتمع وتطويره … المهم ان يصبح ابني " دكتور" حتى لو اقتضى الامر ان ادفع الرشوه لمدرسيه في رومانيا واكرانيا ومولدافيا وغيرها. المهم ان يحمل شهادة واعلم الكل "بدكتورنا" بالمفرقعات في منتصف الليل.
ترعرع ابناء مجتمعنا على ان الشرف العائلي والفردي مصدره الانثى فقط! الان والاخت والزوجه والعمه هم شرف العائلة المرتبط بغشاء البكاره... نعم في المجتمعات الشرقيه لا شرف للرجل ... هو يستقيه من الاناث بمحيطه الضيق فقط وعليه ان يحمي هذا الشرف الكاذب ولو بالقتل ... فلا عجب اذا من هذا العنف المتفشي بيننا.
العنف لا ينزل من السماء ولا يولد مع الذكور بالجينات بل نحن من نزرعه في عقول شبابنا ونحن الذين نحصد الان ما زرعناه... ونحن فقط من يستطيع ومن عليه ان بستأصل هذا الوباء بتصويب تصرفاتنا الاجتماعيه وتطوير موروثنا الحضاري وتغيير فهمنا للتربيه السليمه .