وصل الى "كل العرب" بيان صادر عن جمعيّة الثّقافة العربيّة، جاء فيه ما يلي:"نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة مساء أمس الأربعاء، ندوة رقميّة جديدة من سلسلة ندوات "حديث الأربعاء" تحت عنوان: "تحدّيات وواقع العمل الإعلاميّ في الدّاخل الفلسطينيّ"؛ بمشاركة عددٍ من الصّحافيّين الفلسطينيّين، وتناولت خلالها عدّة محاور مهمّة ناقشت بها التّحدّيات الّتي تخوضها الصّحافة في الدّاخل.
وشارك في النّدوة الّتي بُثّت مباشرةً عبر صفحة جمعيّة الثّقافة العربيّة في "فيسبوك"، كلٌّ من الصّحافيّة في موقع "سيحاه ميكوميت" والمُخرجة، سهى عرّاف؛ ورئيس هيئة التّحرير في موقع "عرب 48"، رامي منصور، ومدير الأخبار في إذاعة "الشّمس" والصحافي في "هآرتس"، جاكي خوري، والباحث في الإعلام السّياسيّ ومدير راديو "النّاس"، د. فراس خطيب. وأدار النّدوة الصّحافي أحمد دراوشة.
افتتح دراوشة النّدوة بسؤال حول التّحدّيات الّتي تواجهها الصّحافة والإعلام في الدّاخل الفلسطينيّ، وفيما أجمع الصّحافيّون الأربعة على أنّ هناك أزمةً في الصّحافة المحلّيّة، تباينت رؤاهم لهذه الأزمة وأبعادها، فاعتبرت عرّاف أنّ ثمّة مشكلةً في توظيف القدرات والكوادر الصّحافيّة؛ بينما رأى خطيب أنّ للأزمة بعدًا تاريخيًّا تراكميًّا لشعب قُطع تطوّره الطّبيعي مع احتلال بلاده، فيما اعتبر منصور أنّ ثمّة تحدّيًا موضوعيًّا في إنشاء وتطوير بيئة صحافية مهنيّة، عدا عن أهمّيّة التّمويل لبناء مثل هذه البيئات؛ أمّا خوري فأكّد أنّ هناك أزمة جوهريّة في تعريف الصّحافة والعمل الصّحافي في ظلّ توافر إمكانيّات النّشر وإنشاء المواقع الإخباريّة ومناليّة هذه الأدوات بالتّزامن مع غياب الأدوات المهنيّة في صياغة المضامين ونشرها.
وناقش المتحدّثون أهميّة الصّحافة الاستقصائيّة والتّحدّيات الّتي تواجهها، مقابل سياسات التّحرير الّتي تتّبعها معظم وسائل الإعلام لتقريب المضامين الإعلاميّة للجمهور في ازدحام وسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبرت عرّاف أنّ على الصّحافة أن تلعب دورها في تثقيف جمهورها وتقريبه إلى المضامين الجيّدة دون الانتقاص من مستواها، وأن تقود "ذوق القارئ للتّفكير والمواضيع النوعيّة لا أن تنقاد وراء ذوقه"؛ مؤكّدةً أنّه لا بدّ من بناء مؤسّساتٍ إعلاميّة مستقلّة غير حزبيّة وتحافظ على نوعيّة مضامينها.
واختلف خطيب مع ما طرحته عرّاف، معتبرًا أنّ مهمّة الصّحافة بالأساس ليست التّثقيف بل نقل المعلومات للجماهير، وهذا ما بُنِيَ الإعلام من أجله، مهما اختلفت طريقة نقل هذه المعلومات والّتي تحدّد وفقًا لمعايير متعدّدة؛ وأوضح أنّ مهنيّة وسائل الإعلام تعطيها مصداقيّة وتشكّل منها مرجعًا في ظلّ انتشار الأخبار الكاذبة، معتبرًا أنّ خلق إعلامٍ كهذا يحلّ بديلًا عن الإعلام الجماهيري يحتاج إلى تعاون جدّي بين الطّاقات الإعلاميّة، والطاقات الإداريّة في وسائل الإعلام.
في المقابل أكّد منصور على أهمّيّة الإعلام في تشكيل الوعي والرأي العام لدى المتلقّين، معتبرًا أنّ هذا يضع على عاتق الوسائل الإعلاميّة مهمّةَ "عقلَنَة" الأمور، وأهميّة التأكّد من مصداقيّة الأخبار قبل نشرها، دون المبالغة والتّهويل، ودون ما سمّاه "تتفيه الرّأي العامّ" عبر نشر مضامين رديئة لنيل "مشاهدات" عالية.
كذلك ناقش المتحدّثون ما تواجهه وسائل الإعلام في الدّاخل الفلسطينيّ من تحدّيات في ظلّ الواقع السّياسيّ أمام رؤيتها لبلورة الرّأي العام، ورأى مدير الأخبار في إذاعة الشّمس أنّ أبرز الحواجز الّتي تقف أمام هذه المهمّة هي الإمكانيّات الاقتصاديّة مقارنةً بما تملكه وسائل الإعلام في الدّول العربيّة أو وسائل الإعلام الإسرائيليّة، مؤكّدًا أنّ الأهمّ هو تحديد مفهوم "بلورة الرّأي العام" الّذي يختلف بين وسائل الإعلام مع اختلاف أجنداتها. وشدّد جاكي خوري على ما قالته عرّاف، معتبرًا أنّ على الصّحافة الإجابة على اهتمامات الجماهير في تحقيقاتها الاستقصائيّة بشكل خاص، والصحافيّة بشكل عام، مع توخّي المصداقيّة بهدف توضيح الصورة للمتلقّي، وأنّ من شأن وسائل التّواصل الاجتماعيّ أن تكون وسيلةً للتّواصل مع اهتمامات الجمهور.
واعتبر مدير راديو "النّاس"، فراس خطيب، أنّ مهمّة الإعلام ليست بلورة الرّأي العام بقدر ما هي "توحيد الزّمن القوميّ" للأقلّيّة القوميّة في الدّاخل الفلسطينيّ، معتبرًا أنّ الإعلام غير مسؤول عن تلقين موقف من قضيّة ما للجمهور، إلّا أنّ ما يمكنه فعله هو طرح القضيّة لكلّ الجماهير المعنيّة للنّقاش حولها.
وحول العلاقة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال منصور، رئيس تحرير موقع "عرب 48"، إنّ شحّ الموارد الماديّة يلعب دورًا مهمًّا في علاقة الجمهور مع هذه الوسائل، مؤكّدًا على ما قاله خطيب حول اختفاء الصّحف اليوميّة العربيّة، مقابل الصّحف اليوميّة العبريّة؛ موضحًا أنّ هذا يساهم في توحيد مضادٍّ للزّمن القوميّ، عبر التأثير على تفكير قرّاء الإعلام الإسرائيلي وعلى وعيهم السّياسيّ وهويّتهم، وهذا ما ينعكس فعلًا على الوعي العام؛ معتبرًا أنّ أزمة غياب الثّقة بوسائل الإعلام في الدّول العربيّة خاصّةً بعد الرّبيع العربي وانحياز الفضائيّات للمحاور السّياسيّة المختلفة ساهمت في توجّه الفلسطينيين في الدّاخل لمتابعة الإعلام الإسرائيليّ بدلًا من العربيّ.
وفي ختام حديثه اعتبر منصور أنّ المساءلة الذّاتيّة ونقد العمل الإعلامي هما من أهمّ المحاور الّتي يجب أن تبحثها وسائل الإعلام لتمكين دورها أمام الجمهور الّذي يتوقّع منها أن تسائل المسؤولين في الأزمات.
واختتم خطيب حديثه بالقول إنّ التّحدّيات التّاريخيّة الّتي يواجهها العمل الإعلاميّ في الدّاخل الفلسطينيّ تحتاج وقتًا طويلًا حتى تستطيع وسائل الإعلام تجاوزها وتحسينها؛ موضحًا أنّ "الأزمة المركزيّة متمثّلة ليس فقط في التغطية الإعلامية، بل أكثر بكمية وسائل الإعلام، ومكانة الإعلام في السلطة، ومكانة الإعلام في التأثير على الحيّز العام وليس على الرأي العامّ". الى هنا نصّ البيان.