كانت مطبعة أبو رحمون في عكا القديمة، أصدرت في العام 1988، للشاعر والقاص البعناوي حنّا إبراهيم، الذي غادر عالمنا قبل أيام، كتابًا بعنوان " ذكريات شاب لم يتغرب "، رسم لوحة غلافه الفنان وليد قشاش، وكتب الخطوط خليل زيبق.
وعلى امتداد 161 صفحة من القطع المتوسط، يروي حنّا إبراهيم حكايات شخصية، ويتحدث عن ذكريات وأحداث عاشها ومرّ بها شعبنا الباقي في أرضه ووطنه.. ذكريات وكأنها وقعت توًا، تفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها لتعيد إلى الأذهان المأساة الفلسطينية ومرارة التجربة التي عاشها شعبنا مع المؤسسة الصهيونية الحاكمة، مع سياستها العنصرية الاضطهادية، ومعارك البقاء والتشبث بالأرض هوية، ولغة، وتاريخًا وجذورًا.
وذكريات حنّا إبراهيم هي وقائع وتجارب شخصية وأحداث حقيقية وليست من نسج الخيال، وإنما عاشها أناس هم أبطالها الحقيقيون، اختلط في أتونها الخاص بالعام، والذاتي بالشمولي، فجاءت بمثابة وثائق لم يسجل معظمها التاريخ المكتوب الموثق، بل سجلها يراع شاعر وقاص فلسطيني مهموم بقضايا وطنه وشعبه، عاشها وشارك في صنع أحداثها شابًا وطنيًا ثوريًا منظمًا في الحزب الشيوعي، متحمسًا وطموحًا، ارتقى بهمومه وتفاصيل حياته اليومية الصغيرة. إنها مذكرات تكتسب أهمية بالغة، لأنها تعكس واقع الحال الفلسطيني في أدق تجربة مرّ بها شعبنا، وهي بدايات اغتصاب ومصادرة الأرض وإنشاء الدولة العبرية.
وينطلق حنّا إبراهيم في هذه الذكريات من الخاص الحميم إلى العام المجبول بمرارة المعاناة والقهر اليومي، ويصوغ تاريخًا للوجدان والحس الشعبي الذي يقف وراء مجريات الأحداث مشكلًا زخمها وموجهًا بوصلتها، وهي تجارب عاشها الكاتب نفسه وعاشها معه أبناء جيله وأقرانه.
وجاءت هذه المذكرات على شكل مقالات نشر بعضها في مجلة " فلسطين الثورة " العام 1985، على لسان خليل خوري، وتحت العنوان " حكاية خوري البروة " وسواها من الحكايات.
وبالإضافة للحكايات التي تعبر عن حالات اجتماعية وسياسية مختلفة ذات دلالات حياتية ووطنية، فقد حملت الذكريات تفاصيل غير معروفة للكثيرين منّا عن دور جيش الانقاذ بقيادة فوزي القاوقجي في تلك الحرب.
وهو يذكر حقائق فريدة عن جيش الانقاذ وقيادته ودوره إبان حرب الـ 48. وهذه الحقائق والشهادات جاءت على ألسنة بعض الجنود والعسكريين.
وتتوالى في الكتاب القصص والأحاديث والذكريات التي تشكل بمجموعها تاريخ معاناة شعب أوقعته المؤامرة في شباك مرارتها، وكيف استطاع هذا الشعب أن يقاوم التهجير وناضل نضالًا مريرًا بتوجيه من عصبة التحرر الوطني ثم الحزب الشيوعي ضد بطاقات الهوية الحمراء المؤقتة إلى أن استبدلت بالبطاقات الزرقاء، وخوض معارك الصمود والقاء في الوطن والدفاع عن لقمة العيش والأرض والحيلولة دون مصادرتها وتهويدها.
وفي الإجمال كتاب الراحل حنّا إبراهيم " ذكريات شاب لم يتغرب "هو عبارة عن حكايات تكشف جوانب مختلفة من حياة ومعارك وكفاحات شعبنا على مدى سنين طويلة.