منصور عباس:
من دعائم أسلوبي المختلف عن الآخرين هو أنني لم أرث مفاهيم سياسية غير صحيحة تعتمد على تقسيم "يمين" و"يسار" للخارطة السياسية الإسرائيلية، كأنّ أقصى أدوارنا أن نكون قوة احتياطٍ لِما يُسمى "اليسار الصهيوني"، والذي عرفناه جيدًا في فترات الحكم العسكري والحروب وترسيخ سياسات التمييز والقمع والاستعلاء
الخلافات ليست محصورة بقوانين الشواذ، بل الأمور أكثر تعقيدًا. مثال آخر وهو نقاش حادّ حصل بيني وبين أحد أعضاء المشتركة حول خطابي أمام رئيس الحكومة قبل أسبوع، والذي طرحت فيه أربعة مطالب مركزية لمجتمعنا العربي، حيث طلب مني رئيس الحكومة مستندًا يشمل أهم النقاط والأولويات لمتابعة تنفيذها
كنت قد عدت معكم فقط لبعض الخلافات خلال الأيام العشرة الأخيرة فقط، والتي كانت سببًا كافيًا لهؤلاء بتصويب الإشاعات ضدي. ولكم أن تتصوّروا ما هو الحال إذا كنا نتحدَّث عن أشهر أو سنة؟!
في نهاية حديثي أودّ أن أقول: إنني أعلم أنَّ من يحاولون التشهير وتشويه صورتي لن يتوقفوا. ولكن ليعلموا جميعًا أنني أيضًا لن أتوقَّف عن العمل في خدمة مجتمعي، والحفاظ على مبادئي وعقيدتي وهوية مجتمعي.
"لا أخاف أن أقول إنني أطرح أسلوبًا سياسيًّا مختلفًا وبراغماتيًا، يوازن بين الثّوابت والقدرة على التأثير! ولكن هل ما يحاول البعض الترويج له صحيح؟ وما هي دوافع عملية تشويه الحقيقة بالافتراءات؟"
شهدت الفترة الأخيرة الكثير من الأحداث السياسية، والتي وَجدتُ اسمي يرتبط بها بشكل أو بآخر، ولا شكّ لديّ أنّ هناك محاولة خبيثة تهدف إلى تشويه الحقيقة، وترويج لافتراءات تسعى لتفسير كلّ تواصل لي وجهد أبذله أمام متخذي القرار أو تحقيق أي إنجاز بأنه أمر مشبوه.
كنت قد ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال، ولكنني وبعد تفكير عميق في الأمر، وبعد كلّ ما رافقت الفترة الأخيرة من أحداث، قررت أنه ليس هناك مجال لعدم الرد وتوضيح حقيقة الخلافات التي تقف وراء هذه الافتراءات للجمهور.
قبل البدء بالحديث عن الخلافات وحقيقة الأمور، وبما أن هذه الافتراءات غالبًا ما تستغل أسلوبي السياسي الجديد وغير المألوف، فأرى من الضرورة أن أوضح بعض النقاط حول أسلوبي وما أؤمن به كسياسي.
أولًا وقبل كلّ شيء، أنا لا أخاف أن أقول إنني أطرح أسلوبًا سياسيّا جديدًا براغماتيًا، يوازن بين الثّوابت والقدرة على التأثير! وأؤمن فعلًا أننا إذا أردنا إحداث تغيير حقيقي ملموس لمجتمعنا فعلينا أن نكون مؤثّرين فعليًا على صناعة القرار، وهذا لا يعني أننا بحاجة لأن نتنازل عن ثوابتنا، سواءً كانت الوطنية أو الدينية، بل علينا فقط إيجاد نقطة توازن صحيحة، وأن نُعرّف بشكلٍ صحيح علاقتنا مع البرلمان وطريقة عملنا فيه، وأن مشاركتنا فيه ليس فقط لمجرد تسجيل المواقف.
من دعائم أسلوبي المختلف عن الآخرين هو أنني لم أرث مفاهيم سياسية غير صحيحة تعتمد على تقسيم "يمين" و"يسار" للخارطة السياسية الإسرائيلية، كأنّ أقصى أدوارنا أن نكون قوة احتياطٍ لِما يُسمى "اليسار الصهيوني"، والذي عرفناه جيدًا في فترات الحكم العسكري والحروب وترسيخ سياسات التمييز والقمع والاستعلاء.
هذا "اليسار" اليوم ضعيفٌ جدًا ومهدّد بالانقراض التام. واليمين مسيّطر على مقاليد الحكم ويبدو أنّه راسخ فيها لسنين قادمة، فماذا علينا أن نفعل كبرلمانيين عرب؟ هل ننتظر بعث اليسار من جديد؟
نهجي ينطلق من أنني لست في جيب أحد، لا يسار ولا يمين. بل بوصلتي هي "جيب" المجتمع العربي، أي الموارد والحقوق التي نستحقها. ودوري أن أعمل ما بوسعي لانتزاعها من خلال إتقاني لفنّ الممكن السياسي.
نعم أسلوبي مختلف، فأنا لست من هواة الصراخ والاستعراض، بل أفضّل التعامل باحترام مع الجميع، ولست عفويًا هاويًا، بل أعمل بمهنية وجدية ومنهجية ومثابرة، وأتمسّك بأهدافي وأصرّ عليها، ولا أقدّم عروضًا ترفيهية للناس، بل أُخلص لهم.
لقد أثارت إشكالية التصويت في الكنيست على لجنة التحقيق في قضية الغواصات نقاشًا واسع النطاق، كان هدفها بشكل واضح محاولة تشويه صورتي. فالقضية ليست علاقةً مع رئيس الحكومة ولا جلسةَ تصويت، ولا خلافًا على هذا الخطاب أو ذاك.
بل إنَّ القضية في الحقيقة هي وجود اختلاف حادّ في التوجهات بين "القائمة العربية الموحدة- الحركة الإسلامية" وبين أحزابٍ وأعضاء داخل المشتركة، حيث رأت هذه الأحزاب أنّ أسهلَ طريقة لمواجهة هذا الأمر هي نشرُ بياناتٍ وترويجُ إشاعاتٍ حول علاقاتي مع الحكومة، مستغلين أسلوبي السياسي الجديد وغير المألوف في التعامل مع جميع الوزراء ومع مكتب رئيس الحكومة، وبعضَ أخطائي كوني إنسانًا عاديًا لست معصومًا من الخطأ، بالإضافة إلى تحريف بعض المقولات أو إخراجها عن السياق.
قد يبدو للجمهور الواسع أنَّ هذه الخلافات بدأت واحتدت يوم التصويت، على ما يسمّى قانون الشواذ. ولكن في الحقيقة هذه الخلافات بدأت من قبل، ومستمرّة حتى يومنا هذا. كما أنَّ أسبابها عديدة ومختلفة، منها: اختلاف في التوجّهات السياسيّة، فمثلًا البعض في القائمة المشتركة يحسب نفسه على اليسار الإسرائيلي، ويرى كلَّ تواصل مع وزير من اليمين مصيبة؛ ولذلك ترونهم مثلًا يَظهرون مع عمير بيرتس (الذي شنّ عدوانًا على لبنان عام 2006) في فيديوهات تمت مَنتجَتُها لتصبح أشبه بالتمثيليّة، ويدينون اللقاء مع وزير آخر. وهناك جزء آخر من هذه الخلافات هي اختلافات أيديولوجية، مثل: التصويت على قانون الشواذ والزواج المدني وغيره، والذي نراه أمرًا مناقِضًا لعقيدتنا، ويراه الآخرون من الأحزاب العلمانيّة تصويتًا مبدئيًّا من الدرجة الأولى. وهناك أسباب أخرى لهذه الخلافات مرتبطة بالشعبويّة أو شعور بعض الأعضاء بالإحباط بسبب ضعف أدائهم البرلماني. وأسباب أخرى لا أرى حاجة لذكرها.
ولكي أضعكم بالصورة حول بعض هذه الخلافات، والتي تؤدّي أحيانًا إلى حملات ممنهجة ضدّي في الشبكات الاجتماعية، ولكي تتضح لكم الصورة أكثر، لستُ بحاجة للعودة أشهر إلى الوراء، بل سأعود قرابة عشرة أيام فقط، إلى تاريخ 14.10.2020، ففي هذا اليوم تم طرح اقتراح قانون الزواج المدني، والذي يشمل بندًا يتيح زواج الشواذ (زواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة)، وصوتت الحركة الإسلامية ضده بأعضائها الأربعة، وصوت ثلاثة أعضاء من التجمع والجبهة مع القانون، وامتنع الباقي. ففي هذا اليوم حصل توتّر في الأجواء، وكنت قد امتنعت عن الحديث إعلاميًا نظرًا للوضع السيئ للمشتركة مؤخرًا، ولكن لم يمتنع الآخرون، حيث قاموا بتوجيه بعض أنصارهم عبر الشبكات الاجتماعية لمهاجمتي بإشاعات غريبة عجيبة.
الخلافات ليست محصورة بقوانين الشواذ، بل الأمور أكثر تعقيدًا. مثال آخر وهو نقاش حادّ حصل بيني وبين أحد أعضاء المشتركة حول خطابي أمام رئيس الحكومة قبل أسبوع، والذي طرحت فيه أربعة مطالب مركزية لمجتمعنا العربي، حيث طلب مني رئيس الحكومة مستندًا يشمل أهم النقاط والأولويات لمتابعة تنفيذها. حينها هاتفني أحد الأعضاء منتقدًا بشدة توجّهي لرئيس الحكومة وأسلوبي بالكلام معه، وأنّ هذا الأمر لا يتماشى مع كرامته. وكنت قد تساءلت في حديثي معه حينها، وأتساءل مرة أخرى: "لو كنتُ تكلمت مع نتنياهو بعنجهيّة، هل سيستمع إلى مطالبي أو يستجيب إليها؟ وإذا لم نقم بتوجيه المطالب لرئيس الحكومة أو الوزراء، لمن نتوجه إذن؟ ولماذا نذهب أصلًا إلى البرلمان؟! وإذا كنا قد رفعنا عند ترشُّحنا في الانتخابات شعار إسقاطه، وتم انتخابه كرئيس حكومة، هل من المعقول أن ننتظر سنوات حتى تغييره لنقدِّم مطالبنا لرئيس حكومة آخر؟! هل هذا منطقي أو معقول؟.
نفس الانتقادات كانت بعد لقاء إيرز كامينتس قبل أيام حول قضية الإسكان وهدم البيوت، حيث سمعت أصواتًا صاخبة هدفها الاستعراض السياسي بعيدًا عن الموضوع. تساءلت عندها: إذا لم أخاطب كامنتس بمهنية وحجة ومعطيات قوية، كونه المسؤول عن القضية، فلمن أتوجه؟ ومن أقابل؟ وماذا سيفيد العراك الاستعراضي معهم؟!.
كنت قد عدت معكم فقط لبعض الخلافات خلال الأيام العشرة الأخيرة فقط، والتي كانت سببًا كافيًا لهؤلاء بتصويب الإشاعات ضدي. ولكم أن تتصوّروا ما هو الحال إذا كنا نتحدَّث عن أشهر أو سنة؟!
في نهاية حديثي أودّ أن أقول: إنني أعلم أنَّ من يحاولون التشهير وتشويه صورتي لن يتوقفوا. ولكن ليعلموا جميعًا أنني أيضًا لن أتوقَّف عن العمل في خدمة مجتمعي، والحفاظ على مبادئي وعقيدتي وهوية مجتمعي.