وليد أبو بكر من الأدباء النقاد والروائيين الفلسطينيين الذين عاشوا محنة وواقع المأساة الفلسطينية، عانى مرارة الاغتراب، وصاغ رواية القهر والعذاب الفلسطيني بجوانبها وتفصيلاتها المختلفة والمتعددة من خلال أعماله الروائية ومنجزاته النقدية.
وليد أبو بكر من بلدة يعبد في الضفة الغربية قضاء جنين، جاء إلى الدنيا العام 1938، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم انتقل للدراسة في دار المعلمين بعمان، وبعد تخرجه وعودته عمل مدرسًا للفيزياء لصفوف المرحلة الثانوية في رام اللـه ما بين السنوات 1957- 1959، وفي العام 1960 تم اعتقاله، وبعد اطلاق سراحه سافر إلى الكويت، وهناك أكمل دراسته الجامعية في مجال الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة بيروت العربية، والدراسات العليا في جامعة الكويت في فلسفة العلوم.
وعمل وليد أبو بكر في الصحافة، منها صحيفة القبس، وكتب الكثير من المقالات النقدية ونشرها في عدد من المجلات العربية أبرزها بيان البيان الكويتية.
وبعد 37 عامًا من الإقامة والعمل في الكويت عاد وليد إلى الضفة الغربية، إلى مدينته الحبيبة رام اللـه، التي لم تنسه سنوات الغربة عشقها وحُبّها.
وأشغل وليد بعد العودة رئيسًا لمركز اوغاريت الثقافي، ونشر سلسلة من المقالات في صحيفة " الأيام " الفلسطينية.
صدر له أربع روايات، هي: " الحنونة، العدوى، الوجود، والخيوط ".
ومن كتبه النقدية : " صورة العربي في الأدب الاسرائيلي، المزاج في النص الأدبي، مخاطر التطبيع في السرد الفلسطيني، تجليات الواقع في الفن القصصي، أحزان في ربيع البرتقال- دراسة في فن سميرة عزام، ولغة الجسد في المسرح" وغير ذلك.
وليد أبو بكر كغيره من الأدباء والروائيين الفلسطينيين تمحورت كتاباته الإبداعية على تصوير الهم والوجع الفلسطيني والإنساني، وتجسيد المعاناة الفلسطينية بكل ألوانها، في ظل الاحتلال البغيض والتشريد والترحيل والتهجير من الوطن. وتحمل رواياته فكرة المقاومة، ولكن كل رواية تعالج ذلك بطرح مختلف عن الآخر.
ووليد أبو بكر يجيد الوصف والتوصيف ورسم الشخصيات ويركز كثيرًا على الأمكنة. وتدور أحداث روايته " الحنونة" في قريته ومسقط رأسه "يعبد" قبل نكبة العام 1948، أيام شيخها الجليل عز الدين القسّام، وبطلها يوسف البدري الذي غادر قريته ثم عاد إليها، حيث يسترجع ذكرياته في وطنه الكبير وبلده يعبد تحديدًا.
أم روايته " الخيوط " فتدور أحداثها في قرية على حدود الاحتلال، أراضيها شاسعة وأهلها يعيشون على زراعة التبغ، وفي ظل الاحتلال تتواصل زراعة الدخان أكثر، ويزداد استغلال أصحاب الاراضي للفقراء، وتكون المقاومة الحقيقية في الرواية في جانبين، مقاومة الاحتلال من جهة، ومقاومة الاستغلال وجشع الرأسمال من جهة أخرى.
ويكثر وليد أبو بكر في هذه الرواية من الحديث والتركيز على الاستغلال الفاحش والجانب الاجتماعي والطبقية في المجتمع الفلسطيني.
أما روايته فتحكي عن مدينته رام اللـه، التي يقول عنها في مستهل الرواية: " بيني وبين رام اللـه عشق لم تستطع الأيام أن تأخذ منه شيئًا، رام اللـه عشقها أربع سنوات سبقت عقد الستينات، كان فيها تفتح العمر، وتفتح القلب، وتفتح عوالم كبيرة من التجربة، رام اللـه الجميلة في الصيف، وفي كل الفصول.
ويضيف قائلًا:" بيني وبين رام اللـه عشق لم تطله يد السنين وبالرغم أنني غادرتها أول الصبا، وغبت عنها سبعة وثلاثين عامًا كاملة، إلا ان صورتها ظلت تلح عليّ بالشوارع والوجود، وبالعلاقات الصغيرة والكبيرة ولسنوات الامل والترقب، والتخفي لدرجة الظهور والاعتقال والتعذيب والسجن".
وفي هذه الرواية يصف المكان الفلسطيني وصفًا دقيقًا، ومن خلال استقصاء العناصر المكونة له، شوارع رام اللـه، طرقاتها، أرصفتها، وأبنيتها، وأشجار حدائقها، ومتعة الصيف فيها.
ويتحدث أبو بكر في هذه الرواية عن شاب جاء من القرية إلى مدينة رام اللـه ليعمل شرطيًا، ثم يصبح عميلًا للاحتلال. ويبدو أن أحداث الرواية جرت وحدثت خلال الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجر والمقلاع.
ويتجلى في رواياته البطل السلبي والإيجابي، وتظهر المرأة كعنصر مهم من عناصر المجتمع، فالمرأة الفلسطينية تختلف عن بقية نساء العالم، وما يميزها أنها امرأة مناضلة تقاوم المحتل وترفع الحجر في وجهه، وتربي أجيال تقاوم وتدافع عن حق شعبنا بالحياة والوجود والحرية، أجيال تحمي الوطن وتحرسه، امرأة سطرت وتسطر بثباتها وصمودها صفحات مشرقة محفورة في الذاكرة الشعبية والوطنية، ويرويها الآباء للأجيال،جيلًا بعد جيل.
ولغة وليد أبو بكر في أعماله الروائية هي لغة سهلة بسيطة قريبة للقارئ والذوق الشعبي، وخالية من التعقيدات والمصطلحات الغربية، وهو يشدنا بأسلوبه الروائي الرشيق السلس والمشوق المثقل بالتفاصيل الدقيقة والأوصاف المدهشة، راسمًا تقنية جديدًة للرواية الفلسطينية الحديثة.
وفي كتاباته النقدية يعتمد وليد على أكثر من منهج نقدي، وينطلق من المنهج النفسي والمنهج الواقعي الاشتراكي المعروف بعلم الجمال الماركسي.
وقد خص وليد الكاتبة سميرة عزام ابنة عكا مدينة الأسوار، بدراسة شاملة حول تجربتها القصصية الإبداعية بعنوان " أحزان في ربيع البرتقال "، وصدرت طبعة منها عن دار الأسوار العكية العام 1987، وفيها يبرز خصائص وسمات فن القص السردي عند سميرة عزام من خلال تشريحه بعضًا من قصصها، مؤكدًا على أنها تعد واحدة من أهم الأصوات القصصية في الوطن العربي.
وهو يرى أن قصص سميرة تعنى بتقديم صورة للواقع من خلال مجموعة من التجارب الإنسانية التي يمر بها الإنسان العادي في حياته اليومية، وفي كفاحه، مشردًا كان او صاحب بيت، او امرأة أو طفلًا، وقصصها استطاعت أن تغطي مساحة واسعة من الأنماط العادية للناس، هي في معظمها مهزومة أمام الظروف التي وضعت الإنسان الفلسطيني في مواجهتها، ظروف الشتات والمنافي القسرية.
وهذه الدراسة الموجزة لوليد أبو بكر أحاطت بأعمال القاصة الفلسطينية سميرة عزام، وأبرزت السمات العامة لقصصها، وتطرقت لبعض الهنات القصصية التي ذكرها وأشار إليها معظم الدارسين لأدبها، وحاول أحيانًا تفسير ذلك بدافع التعاطف معها.
ولا شك أن إبراز الابداع إلى جانب العيوب القصصية يعطي الدراسة عمقًا وجدية، خاصة أن موضوع الدراسة هو كاتبة قصصية متميزة من حيث المواضيع والأسلوب والمعاني، وما تحمله نهايات قصصها من مفاجآت قاسية غير متوقعة، وكونها رائدة في اللون القصصي.
وفي المجمل العام، وليد أبو بكر روائي وناقد يحتل مكانة رائدة ومرموقة ومحترمة في المشهد الثقافي والأدبي الإبداعي والنقدي الفلسطيني، وللمكان جزء كبير في رواياته، ويبرز الوطن بصوره الكبيرة وتفاصيله الصغيرة، ورواياته تنتمي للواقعية، وبعيدة كل البعد عن الخيال، ويولي المرأة والكتابة النسوية عناية واهتمامًا خاصًا، واستطاع من خلال كتاباته ملامسة مسائل نقدية جوهرية في السرد الروائي الفلسطيني الحديث.