حبيبتي زيتونتي
في الذودِ عنها والدي قُتِلْ
وجدُّ والدي أيضاً قُتِلْ
تُعانقُ الطيورَ في الصباحِ والمساءْ
تقاوم الخريفَ في مفاصلي
وتنشرُ الربيعَ في الأعصابْ
ومن دمائها دَمِي جُبِلْ
جذورُها عميقةٌ في القلبِ
منذ الماءُ عانقَ الترابَ
منذ الشمسُ شقَّتْ دَربَها
تُزيّن السهولَ والهضابْ
ممشوقةٌ غانيةٌ هيفاءْ
شرقيّةٌ يضيءُ زيتُها
يُشعُّ دون أنْ تَمَسّهُ نيرانْ
أغصانها جدائل شقراءْ
عيونُها سوداءُ أو زرقاءْ
وساقُها الياقوتُ والمرجانِ
من أغصانها رَسَمْتُ لوحتي
في ظلّها بنيتُ خيمتي،
أشعلتُ موقدي،
ذبحتُ نعجتي،
علّقتها، شويتها،
أعْددتُ قهوتي،
سخّنتُ لقمتي،
غَمّسْتُها في زيتها
تَرَعْرَعَتْ في ظلّها طفولتي
وأزهرَ الشباب قربها
فلامستْ أغصانُها يدي...
تمايلَ الجَبَلْ
وَرفرَفَ الفؤادُ
شدّني جمالُها،
تراقصَ الحَجَلْ
خجلتُ من براءةِ الأطفالِ في عيونها
ومن تَمُوّجِ البحارِ
فارتجفتُ،
انهرتُ،
ما استطعتُ ضمّها
لكنني عشقتها
عشقتها،
وما عشقت غيرها
فجرّدَ الزمانُ جيشَهُ وحقدَهُ
وحالَ بيننا
فتهتُ في معارك الحياةِ
تهتُ،
وابتعدتُ خطوتين
غشني الزمانُ
حال بيننا ...
وما نسيتها،
أهملتها
فالتَفَّت الأعشابُ والأشواكُ حولها
تَشابكتْ أغْصَانُها
فجاءَ اللصُ زاحفاً مُقنّعاً
وفي الظلامِ أحرَقَ الجَبَلْ
أرادَ حرقها
لأنها تحبني
وخافَ أنْ أُحبَّها
ونبدأ العناقَ والقُبَلْ
كَفّي تَكُفُّ النارَ عنها
مهما لفحُها اشْتَعَلْ
يا عشقيَ الوحيدُ
كيف لم تَزَلْ
في رَمادِ العمرِ كامناً بركان؟
كلما تُبَعثرُ الرّمادَ عنه الريحُ
يصعدُ اللهيبُ والدُّخَانْ
يعودُ يشتعلْ !
زيتونتي تقاوم التزييفَ
ترفضُ التجريفَ
والتحريفَ،
يطلقون النارَ نحوها
وبالمدافعِ الشديدةِ التفجيرِ يقصفُونَها
لتترك الجَبَلْ
يحاولون فَصْلها عن الترابِ
كم أُصيبتْ ساقُها
كأنها في ساحة احترابْ
لكنها تُجدّدُ الحياةَ كلما تُصابْ
زيتونتي فريدة ٌمن نوعها
تُقاومُ الرصاصً والنيرانَ والحرابْ
زيتونتي في الكرمِ لا تنامْ
يقضُّ نومَها لصوصُ العصرِ والأعرابُ
والأعمامُ والأخوالْ
مدجّجين بالسّهامِ والحِرابْ
يحاولون سحبها من أنفها
إنزالها عن عرشِها
لكي تُظلّلَ البغاءَ
أو مساربَ الأغرابْ
يحاولون كلما تسلّلَ الظلامْ
يحاولون قلعها،
تبديل زيتَها بظلّها
يُحاولُ اللصوصُ والأوباشُ
قلعي من خلالها !
زيتونتي تظلُّ أُوْلى قبلتَيّْ
تظلُّ زيتَ مشعلي
ونارَ موقدِي
تظل ثاني مَسْجدَيّْ
لن ينالَ ظلّها
حديقةُ ولا ممرْ
زيتونتي في قِمّة الجَبَلْ
تُراقبُ الطوفانَ ينحسرْ
لتمنح الحمامَ غصنَها
فينشرُ الخَبَر
***
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com