قرأت بإمعان مقال الشيخ إبراهيم عبد الله صرصور، الذي نشره موقع "العرب" في السادس والعشرين من الشهر الحالي (نوفمبر)، وهي ليست المرة الأولى التي أقرأ له تحليلات سياسية واقعية. أتفق مع الشيخ في بعض ما كتبه وأختلف معه في بعض آخر، صحيح أننا من لونين سياسيين مختلفين، لكن الخلاف في الرأي لا يفسد الود، والإنتقاد البناء مطلوب في المجتمع الذي يحترم نفسه ومرفوض كلياً إذا كان في إطار التجريح.
يقول الشيخ إبراهيم في بداية مقاله:" ان المجتمع العربي الفلسطيني عاش حالة من التشرذم الحاد والعميق منذ قيام إسرائيل وحتى العام 2015، أعاق تحركه وعرقل مسيرته، وعطل الكثير من الإنجازات التي كان يمكن تحقيقها لو ان الوحدة السياسية العربية تحققت مبكرا". ويفهم من ذلك أن "القائمة المشتركة" بنظر الكاتب هي عنوان الوحدة العربية(ّ؟!). أنا أختلف مع الشيخ في هذا الموقف. مركبات "القائمة المشتركة" تنتمي إلى تيارات مختلفة لا يمكن أن يلتقوا سياسياً مع بعض تماما مثل اتجاهات البوصلة الأربعة. هؤلاء هم الذين رفضوا (الوحدة) التي تتحدث عنها في السابق قبل عام 2015 وتشكيل قائمة عربية واحدة واختاروا المنافسة الإنفرادية على المقاعد في الكنيست. وأنا شخصياً تحدثت مع عضو كنيست عندما زارني في برلين في منتصف التسعينات واقترحت عليه تشكيل قائمة عربية واحدة فقال لي بالحرف الواحد:"لا لا هيك أحسن...هاي بيجي من وراها مشاكل"
الشمس لا تغطى بالغربال يا شيخ ابراهيم. عندما أعلن نتنياهو عن رفع نسبة الحسم لم يبق أمام هؤلاء سوى الإختباء وراء "الوحدة" والإعلان عن تأسيس قائمة مشتركة واختلقوا صياغة "المشتركة إرادة شعب". أنت تعرف شيخ إبراهيم أن خوض هؤلاء المعركة الإنتخابية منفردين لا يستطيعون عبور نسبة الحسم ، فقاموا بتغيير الإتجاه للحفاظ على مصالحهم وبقائهم في الكنيست. وإلاً لماذا لم يتوحدوا قبل إعلان نتنياهو عن رفع نسبة الحسم؟
يقول الشيخ ابراهيم" أن هذه الوحدة (والمقصود المشتركة) تعرضت لأزمات خلال دورتها الأولى كان سببها واحد ووحيد.. تراجع مؤقت لقيم الوحدة الوطنية لحساب الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية والفصائلية". الشيخ ابراهيم أصاب الحقيقة عندما أفهم الناس أن بعض أعضاء المشتركة لا يفكرون سوى بمصالحهم إن كانت شخصية أو حزبية، وهذا ما يفهم من كلامه، لكن الشيخ لم يقم بتسمية الطفل بإسمه. إذاً يتبين من ذلك أن هذه "المشتركة" فاشلة لأنها تكونت بدون أساس سليم ، ولم يبدر منها أي ممارسة وحدوية فعلية، وكانوا يتصرفون مثل "رجل يريد أن يطلق لكن وجود اولاد يمنعه من ذلك" وهم في الحقيقة كذلك لأن مصالحهم تمنعهم من ذلك. والبناية التي تبنى على أساس ضعيف ومغشوش لا بد في النهاية أن تسقط. ولم يخف الشيخ ابراهيم ً تشاؤمه الكبير من حالة القائمة المشتركة، لأنه ألمح في المقال إلى أن :"ذات الأسباب التي أدت الى انشقاق المشتركة (في السابق) عادت لتطفو هذه المرة بشكل أكثر قوة وتدميرا". وفي الوقت نفسه يطرح الشيخ ابراهيم حلاً لذلك ينص على :"وقف عملية الانهيار الحالية". وبنظر الكاتب لا يوجد أي مبررات لما يجري داخل المشتركة في الوقت الراهن سوى سبب واحد وهو" غياب العقل والمنطق السليم، وغلبة الأغراض الشخصية، وغياب القدرة على معالجة الازمات إيجابيا، وإدارة الحوارات". وقال بوضوح أن أي سبب لعملية ضرب المشتركة هو "المنزلق الخطير الذي لا ينبغي لعاقل ان يهوي فيه".
الشيخ ابراهيم يعرف تمام المعرفة أن رفيقه في "الحركة الإسلامية الجنوبية" النائب منصور عباس هو السبب في تعرض المشتركة حاليا للانهيار بسبب تصريحاته ومواقفه تجاه نتنياهو. أنا أفهم الشيخ ابراهيم عندما يمتنع عن قول الحقيقة ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بمنصور عباس. لكنه في النهاية يحاول التستر عليه بطريقة غير مباشرة، عندما يقول ان أيمن عودة فعل نفس الشيء الذي فعله عباس ولكن مع غانتس وليس مع نتنياهو.
فقد أعاد الشيخ ابراهيم إلى الأذهان، المقابلة التي نشرتها صحيفة " يديعوت احرونوت" مع أيمن عودة في الثاني والعشرين من شهر أغسطس العام الماضي والتي حسب قوله" أثارت زوبعة من النقاشات، صرح من خلالها ولأول مرة عن امكانية قبول الانضمام لائتلاف حكومي مع بيني غانتس، وفق شروط". ويتابع الكاتب حديثه عن منصور عباس بالقول:" خرج مؤخرا هو أيضا بمجموعة تصريحات ما زالت تلقى معارضة واسعة ويشترط تقديم حزمة من المطالب قريبة جدا من المطالب التي تقدم بها ايمن عوده كشروط لدخول حكومة برئاسة (غانتس)، كمدخل لتعاون او تفاهم مع حكومة نتنياهو".
الإشارة إلى تصريحات عباس وعودة، هي كما أعتقد رسالة واضحة من الشيخ ابراهيم على شكل سؤال: لماذا لم تقم الدنيا وتقعد على تصريحات أيمن عودة ولم يتم توجيه اتهامات إليه مثل تلك التي توجه لمنصور عباس؟ لكن الشيخ ابراهيم كان في منتهى الشفافية في موقفه تجاه الإثنين، إذ قال بكل وضوح:" في رأيي ان منطلقات هذه الطروحات مبدئيا مصابة بعوار منهجي.. فكلاهما يفترضان أن هنالك املا في ان يغير "المجرم" جلده" صحبح أن "المجرم" يتمنى انهيار "المشتركة"، لكن المصيبة أن من يحاول هدم المشتركة (منها وفيها) وهذه المصيبة بعينها. أنا أوافق الشيخ ابراهيم رأيه في العودة إلى العقل، لكن هل تعتقد شيخ إبراهيم أن من يعلن عن هكذا تصريحات يملك عقلاً؟ فأين هو العقل حتى يعود؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com