جريمة وعليها شهود عيان من حكايات اختفت لديها الاعتراف،فقد أردفت وتداولت من عام الى عام على ظاهرة التنمر بين طلاب المدارس وبين حياتنا التي تاسست على مفاهيم وطابع عبرت لهذا الزمان،لجعل بصمتها بصمة عار لمن تجاهل هذا القهر وصمت الارتجال على افتقار أسلوب الحوار.
السيناريو الذي يكون واقعه مخدوم علينا لا يحتاج الى مخرجين او مونتاج من عالم التمثيل،حيث وجوده على ارض الواقع أثبت كم وكم من بعض طلابنا وابنائنا ما زالوا يعناون همجية أسلوب التنمر في المدارس،وتاثيرها على حد أسوا بانتشار العنف النفسي والجسدي بين طلاب المدارس. والمشكلة أصبحت تأخذ أبعادًا أكبر يوم بعد يوم،فالإساءات اللفظية والتهميش والاستقواء البدني والترهيب الإلكتروني، فكلها إشارات من الإيذاء التي يطلق عليها التنمر، ويكون لهذا الإيذاء أثر نفسي على الطفل يمتد لمراحل متقدمة من العمر، وقد يتسبب في الإصابة بأمراض مزمنة، أو يقود إلى الانتحار.
والتنمّر في المدارس من الظواهر الخطيرة التي تُهدّد سلامة الطلاب ويعرقل عملية التدريس بشكلٍ صحيح وسليم، إذ تؤثر هذه الظاهرة على نفسية الطلاب وتمنعهم من الدراسة وتحقيق التفوق الدراسي، ومن إقامة صداقات وثيقة ومتينة فيما بينهم وبين الآخرين.
واذا أردت التعريف التنمر حسب دراسات الذي يتبناه الباحثون الأكاديميون، فسنجد أنهم يقولون:" إن هذا السلوك يمثل ضربا من العدوان الذي يحدث بين أطراف تتباين في ما بينها في مستويات القوة والسلطة، سواء كانت هذه الأطراف أفرادا أم جماعات".
وأما الأرقام العالمية التي أعلنت عنها منظمة اليونسكو في اخر إحصائياتها حول معدلات التنمر في المدارس ان ربع مليار طفل حول العالم يتعرضون للتنمر فى المدارس بشكل أو بآخر من إجمالي مليار طفل يدرسون حول العالم.
والذي اثار دهشتي وجعلني أرى العالم صغيراً بما يكفي عندما قرات من أقوال السيدة الاولى للبيت الأبيض ذات البشراة السمراء السابقة ميشال أوباما عن التنمر. "رغم العمل الصعب الذي قمت به طوال 8 سنوات في البيت الأبيض لخدمة البلاد، لكن البعض لم يكن يرى إلا لون بشرتي”،وأنها تلقت في مواقع الإلكتروني انتقادات بشكل كبير ومع هذا تقبلت الأمر بشكل عقلاني وكانت رسالتها الأساسية كزوجة رئيس الدولة ومحامية في الأصل الدفاع عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، وحاربت التنمر بالمجتمع الأمريكي الى أقصى حد.
اما نحن وبدورنا في بلادنا وبين المواطنين العرب في اسرائيل، نواجه هذه الظاهره بشكل كبير ان كانت بالمدارس او بحياتنا عامَّةً،ورغم التطور والعولمة في نظام ومفاهيم الإنسان تجعله التفريق بين التصرف المسيء والتصرف الصحيح،الا وما زال التنمر يتغلب عليه حتى اصبح مبرمج لذلك. وبالتجاه المباشر خصيصاً في المدارس عند الطلاب العرب هذه الظاهرة أخذت مساحةً واسعةً واجتاحت مفاهيم التربية بشكل كبير
فالتنمر الذي نواجه في مدارسنا مشبه كأبطال ألعاب الببجي وأنوعها ، فالذي تنمر اكثر هو الغالب والفائز بنظرية عمياء لا تحمل اي بصر ولا بصيرة ولا ميثاق فعلي بما هو إيجابي لهذا المجتمع الا في نهاية الأمر يصبح هو الضحية على كلام له سخرية.
ومن آراء د. نهاد علي رئيس قسم التعددية الحضارية بكلية الجليل وجامعة حيفا ورئيس قسم المجتمع العربي بمؤسسة صموئيل نئمان التخنيون.
"بالنسبة للمتنمر, في بعض الحالات قد تبقى اثار تنمره على الاخرين مذوته بسلوكه المستقبلي وتحوله الى انسان عنيف اتجاه الاخرين واتجاه الممتلكات فقد يتحول الى مجرم او سارق وما الى ذلك. اما الشخص المتنمر ضده فقد ينشا منه إنسانا منطويا على نفسه, منزويا وخائفا بل وناقما على كل من حوله برؤيتهم شركاء في التنمر او مقصرين في حمايته".
ولكن النظرية التي تساعد بتخفيف من حدة مصاعب هذه الحكاية وجعل معاناتها ابسط بكثير،فالمتنمر يأتي نتيجة البيئة والتربية والتنشئة، حيث يولد الطفل ليس عنده مشكلة مع أحد ويحب كل الناس والأجناس. ليست لديه حواجز وهمية تدل على العنصرية والتنمر، ولكن مع التربية والتنشئة تبدأ تتشكل عنده الصفات المختلفة، سواء كانت محمودة أو مذمومة،فما احضره معه من بيته فرضه داخل مدرسته على الآخرين لكي يجلب انتباههم قد الإمكان.
لذلك يتوجب على طاقم المدرسة عندما يشاهدون هذه المواقف من التنمر والعنصرية تكثيف من الإرشادات التربويه والفعاليات بما يناسبهم والحديث معهم بشكل مستمر لانهم يعانون من قلة المعرفة باحترام الآخر،وإرشادات تنظم من قبل المدرسة للأهل أيضاً بشكل دايم ،ويجب ان يكون دوراة متخصصه للمعلمين ومدراء المدارس كيف يتعاملون مع حالات المتنمرين لانهم جزء لا يتجزأ من حياتنا.
ولكي نخفف من هذه الحكايات الواقعية والمؤلمه نحتاج الى ضبط الزوايا من جميع الاتجاهات وتركيز على ابنائنا في حالات السلوك المتفاجئ لكم بالبيت والاهتمام بما يدور من حوله وحولكم. الان التنمر هو عمق من اعماق العنف،ويعمل على الطرفين المتنمر والضحية لانهم في اخر المطاف سوف يسلكون نفس المسار وهو العنف اتجاه أنفسهم واتجاه الغير.
(المرشدة والمركزة في مجال العنف،زينب اطرش من قرية دبورية)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com