الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي تفجرت في المناطق الفلسطينية في التاسع من كانون الأول العام 1987، وانقضى على اندلاعها 33 عامًا، ملأت الدنيا وأشغلت الناس، وتفاعل وتجاوب معها المبدعون الفلسطينيون والعرب، وموضوعها كان الأكثر الحاحًا واهتمامًا.
وليس غريبًا أن تواكب القصيدة الفلسطينية أحداث الانتفاضة منذ لحظة انفجارها، فغنت وأنشدت لها ووثقت كل جراحها، وتغنت ببطولات أطفال الحجارة، ومجدت التضحيات التي عبدت الطريق إلى واقع فلسطيني جديد. ولا يفوتني في هذا المجال القول أن هناك قصائد استثنائية لبعض شعرائنا الفلسطينيين تقاطعت مع الانتفاضة، قصائد مكثفة وموحية وغنية ورصينة، لكنها قليلة أمام العدد والكم الهائل من قصائد وأشعار الانتفاضة.
والانتفاضة اعطتنا الكثير من الانجازات والمناخ المناسب للكتابة، وشكلت التربة الخصبة للإبداع، وفتحت أمامنا آفاق جديدة والطريق لاستغلال تراثنا وموروثنا الثقافي.وليست القصيدة وحدها التي تجاوبت مع الانتفاضة، بل القصة والرواية، وهنالك نتاجات متميزة وأعمال إبداعية تناولت هذا الحدث والفعل الشعبي النضالي.
ومن الأعمال الروائية التي كتبت إبان الانتفاضة الباسلة المجيدة، رواية "زغاريد المقاثي" للكاتب محمد وتد، المولود في قرية جت بالمثلث سنة 1937، والمتوفى في حادث طرق العام 1994، وهو شخصية سياسية وصحفية عمل طويلًا في السياسة من خلال حزب مبام، وفي صحيفة "المرصاد"، وتطور موقفه وموقعه وفاعليته على ضوء تطور الاحداث، ووجد طريقه إلى صفوف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
رواية "زغاريد المقاثي" مكونة من 3 أجزاء، صدرت طبعتها الأولى عن منشورات البرق في جت العام 1988، وطبعتها الثانية تحت عنوان "زغاريد الانتفاضة" عن مؤسسة بيسان للصحافة والنشر في نيقوسيا.
والرواية تحكي وتتحدث عن الانتفاضة ونسيجها الاجتماعي وعلاقاتها في زمن الاحتدام والصخب، وفيها تأمل في الموروث الشعبي، وفيها رصد لليومي، وفيها قراءة للأمل القادم من ثنايا مستقبل شعبنا الفلسطيني المؤمن بعدالة قضيته الوطنية المقدسة.
إنها تتلمس الهاجس الفلسطيني، وتضع الإصبع على الجرح تارة، وعلى الزناد تارة أخرى، مفعمة بالحيوية، وحافلة بالألم والوجع. وهي ليست هيكلًا واحدًا وإنما هي صور بانورامية شاملة تجري أحداثها في خربة الزبداوي قضاء جنين، ومن خلالها نتعرف على تفاصيل شخصيات حقيقية تنبض بالحياة، يقدمها لنا وتد غنية متوهجة بصورة بسيطة ومشوقة، ويعبر من ورائها عما هو جوهري في الواقع الاجتماعي. وكما يقول الناشر:" هي رواية الفعل الفلسطيني المتواصل تكشف الأنسجة الداخلية لحياة الشعب بكل ما تنطوي على أحلام ورؤى وعاطفة، وأمل وحب وحسرة في سياق السعي للحرية والاستقلال الذي يبدو قريبًا كما توحي به زغاريد الانتفاضة".
وفي هذه الرواية يبدو محمد ساردًا بارعًا في أوصافه الدقيقة وتصوير ونقل الاحداث المتلاحقة بسرعة مذهلة، واستخدام التشبيهات، ويطعمها بالأمثال الشعبية واللهجة الفلسطينية المحكية.
رواية محمد وتد "زغاريد المقاثي" مدهشة بموضوعها وصورها ومشاهدها، أحداثها سريعة، لا تستطيع أن تتركها دون ان تنهيها، وأسلوبها ينقلنا بسرعة في جو مشحون من الأحداث المزدحمة بالأفكار والتخيلات.