اجتاح المشهد الأمريكي غير المألوف اذهاننا، شاشات التلفاز، وحتى حسابي على التويتر, مشاهد اقتحام مبنى الكونغرس من قبل انصار ترامب, اعمال شغب ونهب انتشرت اسرع من وباء كورونا, هذه المشاهد التي وصلتنا مؤخرا من واشنطن؛ والتي لربما اسعدت الكثيرين, مشاهد لم نعتد على رؤيتها ولم نكن لنقوى حتى على تخيلها, فكيف لدولة مهد الديموقراطية ان تصبح غابة يقودها فيل جمهوري شعبوي؟
الولايات المتحدة لطالما نجحت في تسويق نفسها على انها تمتلك اجود أنواع الحريات وأفضل نظام ديمقراطي يتمتع بفصل كامل بين السلطات.
كما انها اعتادت على تصدير مختلف هذه "المنتوجات" للعالم بل واخذت على عاتقها اجبار دول الشرق الأوسط على شراء شعاراتها، اسلعتها واسلحتها.
وسط زخم المناشير، الصور والفيديوهات التي تم تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي استوقفني امرين: الأول منشور تم تناقله بكثرة الا وهو " العرب تصالحوا والامريكان دقوا ببعض", والمنشور الاخر كان فيديو لشجار عنيف في كفرمندا, للوهلة الأولى نعتقد اننا نشاهد احتفال ما لكثرة المفرقعات والتي غالبا تستعمل في المناسبات والافراح السعيدة , اما في كفرمندا فالوضع اخذ منحنى اخر, حيث أصبحت المفرقعات أداة رئيسية في كل المناوشات والشجارات.
يتساءل الان البعض ما علاقة التوتر المنداوي بالتوتر الأمريكي؟ وكيف اختلط الحابل بالنابل؟! ولكن الامر في غاية البساطة، دعونا نضع المجهر أولا على كفرمندا والتي تمثل تقريبا نفس الحدث الأمريكي الأخير ولكن بشكل مصغر "مايكرو" ومن ثم ننتقل لنضع عدسة "الماكرو" لوصف المشهد الأمريكي بتوسع.
في السنوات الأخيرة شهدت قرية كفرمندا انتخابات للمجلس المحلي والتي سرعان ما تحولت من عرس ديموقراطي لطلاق انتخابي والى معركة انتخابية ملحمية بين مرشحين يمثلان أكبر عائلتين في البلد "زيدان" و"عبد الحليم".
عند فرز الأصوات فاز المنافس التابع لعائلة عبد الحليم متفوقا على خصمه زيدان ب26 صوت؛ مما دفع الأخير التوجه الى القضاء من أجل فحص مصداقية النتائج والتدقيق مرة أخرى؛ بعدد الأصوات التي ألغيت والبت في الخروقات التي حدثت خلال عملية الانتخاب.
رفضت المحكمة العليا في القدس طلب الاستئناف الطاعن بنتيجة الانتخابات المقدم من قبل زيدان وعلية فإنها أبقت عبد الحليم رئيسا شرعيا للبلد.
مؤخرا وفي محاولة جادة لتسوية الخلاف وانهائه بين الطرفين، بهدف نشر الامن والهدوء بالقرية ولإقرار الميزانية.
عادت الأمور لنقطة البداية فيما يتعلق بنزاهة النتائج الانتخابية بعد تسريب تسجيلات صوتية اثارت غضب العائلتين واشعلت نار الشجار بينهما من جديد.
اما في الساحة الامريكية حاول ترامب بشتى الطرق اطالة مدة حكمه الرئاسي ولكنه فشل في تسديد الهدف، وبدلا من التحلي بروح رياضية ديموقراطية تبارك فوز خصمه جو بايدن رفض ترامب رفضا كليا الاعتراف بنتائج الانتخابات.
كما ولجأ للقضاء بعدة ولايات للطعن بالنتائج وإعادة فرزها. مدعيا ان أصوات البريد التي بغالبيتها كانت لصالح الحزب الديموقراطي ليست بنزيهة وتم التلاعب بها، كما ان الحزب الديموقراطي قد حصل على أصوات من الأموات. يذكر انه تم تغيير نتائج الانتخابات الامريكية عبر القضاء في عام ٢٠٠٠ لصالح ال غور، ولكن هذه المرة خذل القضاء ترامب ورفض جميع التماساته.
حاول ترامب الضغط أيضا على حاكم ولاية جورجيا ففي مكالمة مسربة، طلب ترامب من حاكم جورجيا الحصول على أكثر من أحد عشر ألف صوت لقلب نتيجة بايدن.
إضافة لذلك، استغل ترامب وسائل التواصل الاجتماعي لبث اخباره الكاذبة ولتحريض أنصاره
بالتظاهر والانتفاض امام مبنى الكونغرس خلال اقراره نتائج أصوات الهيئة الناخبة، مدعيا ان البلاد تتعرض للسرقة على ايدي الديموقراطيين.
استجاب الكثرين من أنصار ترامب لطلباته وقاموا باقتحام الكونغرس وعرقلة مسار العملية الديموقراطية الشرعية في البلاد.
حتى أصبح ترامب يشكل خطرا وجوديا على الامن الأمريكي وبسببه فاق عدد القوات الامريكية المنتشرة في واشنطن اعداد مجنديها في أفغانستان والعراق تحسبا لأي تصرف ترامبي.
كما ان القائمين على وسائل التواصل كفيسبوك, تويتر وغيرهم قاموا بإغلاق جميع المنصات بوجهه لردعه عن بث سمومه، التي أوصلت أعظم دولة في العالم الى حافة الهاوية.
نستطيع ان نرى أوجه الشبه والقواسم المشتركة ما بين قرية الجليل الصغيرة كفرمندا وما بين العاصمة واشنطن، حيث في كلى البلدين تنافس مرشحين على كرسي السلطة، طعن أحدهم بمصداقية نتائج الاخر، كما وتم تحريض المواطنين واثارة اعمال الشغب بهدف قلب الموازين لصالح أحد الأطراف المعنية.
في الوقت الحالي وبحمد الله سلمت كفرمندا من تسجيل إصابات او قتلى، بينما في الولايات المتحدة سقط بعض القتلى خلال احتجاجية اقتحام مبنى الكابيتول بهدف نصرة ترامب.
نناشد أهالي كفرمندا الالتزام بشكل كامل وجدي باتفاق الصلح المبرم واستعمال المفرقعات فقط كاحتفال بالوحدة الوطنية وانهاء الانقسامات العائلية.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com