تواجه الأسرة المسلمة مشكلات كثيرة ومتشعبة إثر تعرض المجتمع ككل إلى كم هائل من "العواصف" التي زعزعت الحياة الاجتماعية وضعضعت الاقتصاد، وانتشار الامراض والاوبئة وغياب الأمن وانتشار العنف واستباحة القتل، وأجيال التكنولوجيا التي خرجت من رحم القيم الإسلامية ودخلت في جوف الثقافة الافتراضية التي نشأت منه قائمة طويلة من المعضلات وتزايد انحراف الأبناء وشيوع الفوضى وتكاثرت الأمراض النفسية التي من شأنها تؤدي إلى التفكير بالانتحار أو بالانتحار فعليًا في بعض الحالات.
ولعل أبرز مسببات هذه الازمات هي التهاون والتغافل عن تحصين أفراد الأسرة وحماية الأنفس وتزكيتها، وإنّ عمق هذا التحصين يبدأ بقوله تعالى:
{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} النساء آية 9 .
إنّ هذه الآية وضعت أحكامًا لبناء الأسرة واستمرار علاقات أفرادها بالمجتمع مما يجعلها متميزة في كيانها وشخصيتها وعلاقاتها وأخلاقها، ولكي تؤدي الأسرة وظائفها بدون ضغوطات ومنغصات الحياة كما ينبغي لا بد أن تقوم على دعائم قوية وأُسس ثابته بحيث إذا غابت تلك الدعائم أضحت كيانًا ضعيفًا قابلًا للكسر.
وأشارت الآية إلى أنّ تحصين الأبناء مبني على تقوى الله وأنّ صلاح الآباء هو أعظم الأسباب لتحصين الأبناء من مستنقعات الدنيا ومهلكات الآخرة، وفي هذا الزمان نحن بحاجة ماسة لتقوى الله حيث يوجد للأسف بين مجتمع أمة التوحيد وأصحاب الرسالة المحمدية بعض مظاهرالنفاق والكذب والغش والكراهية والسرقة بكل مقتضياتها وقد ران على القلب حب الدنيا وجفت الروح من عذب وحلاوة الإيمان، وإنّ التحصين يحتاج إلى عمل دؤوب وكد وتعب يفضي إلى إنشاء جيل قد جُبل على حب الله ورسوله وحُصِّنَ من ملذات الدنيا وأوكارها ودعائم هذا التحصين هي القدوة الحسنة للأبناء ، حيث تبدأ بالرزق الحلال والذكر والدعاء.
تزكية النفس بالروحانيات والعبادات والتقرب من الأبناء بالحوار الهادف وتقريب المسافات وسد الفجوات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والتذكير الدائم ببداية كل عمل أننا خلفاء الله في هذه الأرض والإعمار بها طريق عبور للحياة السرمدية ، فصلاح الآباء صلاح الأبناء، وتحضرني قصة أولاد عمر بن عبد العزيز وأولاد هشام بن عبد الملك ، حينما بويع أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي ، دخل عليه سيدنا مقاتل بن سليمان فقال له: المنصور عظنا يا مقاتل. قال مقاتل: أعظك بما رأيتُ أم بما سمعتُ؟، قال أبو جعفر: تكلم بما رأيتَ، قال: يا أمير المؤمنين، مات عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولدًا وخَلَّفَ ثمانية عشر دينارًا كُفن منها بخمسة، واشتروا له قبراً بأربعة، ثم وُزع الباقي على ورثته، ومات هشام بن عبد الملك، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، غير الضياع والقصور، كان نصيب الزوجات الأربع ثلاثمائة وعشرين ألف دينار، وهذا هو ثُمن التركة فقط، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيتُ بعيني هاتين في يوم واحد ولدًا من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله وولدًا من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق.
في نهاية القول لابد لي أن أؤكد على أهمية وحتمية التربية على الأخلاق الحميدة والتمسك بثوابتنا الإسلامية والعربية والفلسطينية.