د. سامي ميعاري في مقاله:
الناخب يميل في العادة إلى الأشخاص والأحزاب الفائزة، والعزوف عن الخاسرين، والمشكلة هنا أن استطلاعات الرأي التي تولّد هذا التأثير تحمل في طياتها الكثير من المشكلات
الحل يتمثل في إجبار شركات استطلاع الرأي على العمل وفقاً لمعايير مهنية شفافة، تكون مراقَبة من قِبَل أجسام خارجية لديها قدرة أكبرة من لجنة الانتخابات
في السياسة الإسرائيلية لا يقتصر دور استطلاعات الرأي على إبراز الرأي العام وتوجهاته الانتخابية فحسب، بل تسعى إلى توجيه الرأي العام وصناعته وتصميمه قدر الممكن، فعلى سبيل المثال يتم اللجوء إلى الرسائل النصية القصيرة، وهي في معظم الأحيان رسائل يصممها سياسيون على مقاس محدد، وهذا تقوم به كذلك معاهد متخصصة في استطلاعات الرأي تعد محترمة، فعلى سبيل المثال : في استطلاعات الرأي الأخيرة حصلت القائمة المشتركة على 10 مقعداً وفقاً للقناة 13. وعلى 9 مقاعد بحسب القناة 11، والقناة 12، بينما حصلت القائمة الموحدة على 4 مقاعد في استطلاع القناة 13، ولم تجتز نسبة الحسم في الاستطلاعات الأُخرى للقناة 11 و 12 وكذلك حزب ميرتس.
وعلى الرغم من أن هذه المرة الأولى التي لم تجتز فيها هذه الأحزاب نسبة الحسم، فإنه باعتقادي أن هناك احتمالاً كبيراً أن تشكل هذه الاستطلاعات حلقة مفرغة...
والآن اسمحوا لي بأن أُوضح بعض النقاط العلمية الهامة في هذا السياق:
الفرق في عدد الذين شملهم الاستطلاع في حزب لم يجتز نسبة الحسم، وبين حزب تحت نسبة الحسم هو ضئيل جداً، وفي معظم الأحيان فإن الناخب لا يدخل في هذه التفاصيل الصغيرة والدقيقة، وما يهمه هو الفرق فيما إذا سيجتاز هذا الحزب نسبة الحسم أم لا؟ والمعضلة تتمثل في أن شريحة من المتخبطين في توجهاتهم الانتخابية، سوف يشعرون بأنهم يهدرون أصواتهم لصالح أحزاب لن ترقى إلى نسبة الحسم، فيكفوا عن دعمها.
كما أن هناك حالات عكسية، فعلى سبيل المثال، قبل انتخابات 2006 كان حزب “المتقاعدين” تحت نسبة الحسم، وبشكل ثابت، ولكن استطلاعات الرأي وضعته فوق نسبة الحسم قبل الانتخابات، ما أدى إلى ارتفاعها إلى 7 مقاعد. كما توجد هنالك المؤتمرات الصحفية التي تعلن عن تشكيل أحزاب جديدة يمكن أن يكون هنالك تأثير إيجابي لاستطلاع رأي أوليّ يؤدي إلى توجه الناخبين للانضمام لهذا الحزب، ومع مرور الوقت يصبح الانضمام لهذا الحزب في تزايد مستمر.
ومما لا يخفى علينا أن الناخب يميل في العادة إلى الأشخاص والأحزاب الفائزة، والعزوف عن الخاسرين، والمشكلة هنا أن استطلاعات الرأي التي تولّد هذا التأثير تحمل في طياتها الكثير من المشكلات:
أولاً- الإشكال الموجود في استطلاعات الرأي في الانتخابات تمّ بحثه عن طريق العديد من الصحفيين وعلماء النفس، وكذلك علماء في مجال البيانات ، ومع ذلك فإن وسائل الإعلام المركزية تتجنب هذه النصائح، وتزودنا أحياناً باستطلاعات رأي مغلوطة، تتمحور مشكلة كبرى في هيكليتها، بحيث أن المشارك تم استجوابه حول عدد كبير من الأحزاب، ولكن العينة ليست عينة كبيرة، لأنها مُكلفة، لذلك فأخطاء العينة تكون أكثر بكثير من نسبة الحسم نفسها، وهذا مؤداه عدم وجود فرق كبير بين الحصول على 3% من المُستطلَعين، أو 4%، وهذا يختلف عندما تكون الاستطلاعات بين حزبين فقط كما الحال في الولايات المتحدة، حيث تقل أخطاء العينة وفي هذه الحالة غالباً ما تصيب الاستطلاعات تنبؤاتها.
ثانياً- الاستطلاع يتأثر أيضاً من توزيع الأشخاص في العينة حسب خصائص ديموغرافية، ويتأثر بالأشخاص الذين لا يشاركون في الاستطلاع، على سبيل المثال صغار السن يصوتون بشكل مختلف عن البالغين، والمتدينون يختلفون عن العلمانيين، كما أن هنالك خصوصية تُصعّب عملية الوصول إلى داخل وعُمق مجتمع المتدينين اليهود والعرب، والحصول على عينة عشوائية تمثيلية.
ثالثاً-صياغة الاستبانة تؤدي أحياناً إلى انحياز، وهذا تحديداً يحدث في المجتمع العربي، ففي معظم الأحيان صياغة أسئلة منحازة، عندما يكون الحديث عن أسئلة سياسات كما هي الحال عن دعم أو عدم دعم اتفاقية سلام، وكذلك الأمر يحدث عندما يكون الحديث عن استطلاعات رأي قبل الانتخابات، وأفضل مثال على ذلك هو استطلاع رأي يشتمل على خيار “الليكود برئاسة نتنياهو”، فمجرد ذِكر اسم نتنياهو هنا هو بمثابة نوع من العداوة عند بعض الناخبين، ومؤثر لجلب ميول ناخبين آخرين، وبالتالي فإن هذا يؤثر على نتائج الاستطلاع.
الخلاصة:
إن الحل يتمثل في إجبار شركات استطلاع الرأي على العمل وفقاً لمعايير مهنية شفافة، تكون مراقَبة من قِبَل أجسام خارجية لديها قدرة أكبرة من لجنة الانتخابات.
وعلى الرغم من أن الانتخابات الأخيرة شهدت إدخال بعض التصلحيات التي وصلت من لجنة الانتخابات على سبيل المثال: شفافية وكشف ضغوط خارجية مثل رفع العينة أو تقديرها في المجتمع العربي، ولكن كل هذا لا يكفي ...
وأخيراً يجب الطلب من وسائل الإعلام بأن يتم مسح واقع الانتخابات بشفافية أكبر وسطحية أقل، والاهتمام بالفحوى والجوهر أكثر من استطلاعات المقاعد.
* د. سامي ميعاري- محاضر في جامعه تل ابيب وجامعه اوكسفورد ومدير عام المنتدى الاقتصادي العربي
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com