جاءني حاملا صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الليبرالية، وأمارات الغضب تكسو وجهه العريض، قائلا بلهجة غاضبة:
- هل قرأت ما كتبته الصحيفة هنا، هل قرأت ما جاء في كلمة العدد؟
أجبته ببرود وبصوت متثاقل: كلا، ماذا كتبت؟
- عن اعتداءات المستوطنين على إخوتنا وأبناء شعبنا في الضفة – وتابع يقرأ ويقتبس من الجريدة- 49 اعتداء عنيفا، منها 28 اعتداء جسديا أدى إلى إصابة 15 مواطنا، منهم أربعة أولاد. إضرام سيارات، اقتحامات للبيوت، دهس سكان عمدا، وغيرها وغيرها.
بقيت على حالي وهززت كتفي قائلا: وأنا مالي، هل تراني قاضيا في المحكمة العليا، أم مندوبا لمجلس الأمن؟
- ما هذه البرودة يا صديقي، أنت مالك؟ أقول لك اعتداءات وحشية للمستوطنين الوحوش على أهلنا وأبناء شعبنا الفلسطيني..
لوحت بيدي بإشارة إلغاء لا مبالية، وقلت: دعك من هذا الكلام، وماذا يمكننا أن نفعل، هل نحن أصحاب القضية، أليس لديهم سلطة وطنية لتدافع عنهم وتحميهم؟
هنا ارتفعت درجة حرارته المنعكسة في صوته الغاضب: والله أستغرب لحالك، هل تعرف لماذا حدث كل ذلك في الأسابيع الأخيرة؟
- وماذا يهم اذا عرفت السبب أولا، وهل في الأمر جديد؟
- المصيبة أن هذه الاعتداءات تأتي انتقاما على مقتل مستوطن بعد مطاردة الشرطة الإسرائيلية له. يعني الفلسطينيون ليس لهم شأن أو يد فيما حصل، لكن الانتقام يكون من نصيبهم. هل هذه عدالة، ألا يجعلك هذا تغضب؟
- يا أخي 50 عاما أو يزيد ونحن منشغلون بالقضية الفلسطينية والمطالبة بدولة لشعبنا في الأراضي المحتلة، ونوابنا في الكنيست ما تركوا منبرا ولا مناسبة إلا رفعوا هذه المطالب، ماذا جنينا؟
- ما علاقة ذلك بما أسرده لك؟ هل نسيت عام 2000 لما شاهدنا محمد الدرة يقتل في غزة من قبل جيش الاحتلال وهو في حضن أبيه؟ مشهد كهذا جعلنا نخرج للشوارع ونعلنها انتفاضة تضامن ودعم لأهلنا، واليوم القتل والاعتداءات الوحشية تجري يوميا على الحواجز وفي الطرقات وفي الحقول، ومن من أحد يحرك ساكنا؟
- أجل ودفعنا ثمنا باهظا، ثلاثة عشر شابا سقطوا شهداء، من يذكر أسماءهم، بربك من، ومن يحفظ الذكرى؟ ومن يعمل على محاكمة القتلة؟ دعنا من هذا الكلام واتركنا نهتم لشؤوننا هنا في الداخل، كفانا صراخا وزعيقا دون نتيجة.
هنا أسقط في يد صاحبي، وقال بلهجة هادئة لكن بسخرية: يظهر أنك لبست قبعك ولحقت ربعك؟ ماذا دهاك؟
وجدتها مناسبة لأن أحول دفاعي إلى هجوم: ألا تسمع عندنا عن جرائم القتل الأسبوعية، والطعن وإطلاق النار اليومي؟ ألا تسمع عن الطوشات الحمائلية المستمرة في بلداتنا وقرانا؟
- بلى أسمع يا صديقي.. لكن هل هذا يلهينا ويشغلنا عن الالتفات إلى إخوتنا ومعاناتهم؟
- لكن مشاكلنا باتت أكبر مما نحتمله، ولم يعد بإمكاننا معالجة مشاكلنا حتى نعالج مشاكل الآخرين.
ازدادت دهشة صديقي وهو يلومني: آخرين.. أبناء شعبنا صاروا آخرين؟! صراحة أشعر أن هناك من يعمل من وراء الكواليس لإلهائنا بمشاكلنا.
- وكيف ذلك، لا تقل لي إنها مؤامرة على شعبنا؟
- أهه.. أذكرك إذا نسيت.. هل كان السلاح منتشرا بهذه الكميات في مجتمعنا سنوات قليلة إلى الوراء؟ هل كانت عندنا عصابات إجرام؟ خاوة، سوق سوداء وما شابه من ظواهر دخيلة؟
قلت له وأنا اصطنع الجدية: لا والله..
- إذاً من عمل على نشر السلاح بهذه الكميات، ومن أراد لشعبنا أن يلتهي بنفسه ولا يلتفت الى قضايا أخرى؟
أجبته وأنا أجاريه وقد أخذت أقتنع بكلامه: هو المستفيد من تفتتنا وتشرذمنا وانشغالنا بمشاكلنا الداخلية والاقتتال فيما بيننا، حتى أن البعض منا يبريء السلطة وأجهزتها من المسؤولية، ووصل جلد الذات بنا إلى حد توجيه الاتهام إلى أنفسنا وأنفسنا فقط.
بدت على وجهه علامات الارتياح، وخاطبني بهدوء: ها بدأنا نقترب من بعض، وأنا أتفق معك أن مشاكلنا لا تنبع كلها من السلطة، لكن لا يمكنك التنكر بأن السلطة تغذي خلافاتنا وتستفيد من اقتتالنا ولها مصلحة في ذلك.
- نعم وكما حدث لنا عندما توحدت أحزابنا في قائمة مشتركة، هناك أوساط في السلطة وخاصة رئيس الحكومة وأتباعه لم يعجبهم الحال، وكما تذكر فقد رفعوا نسبة الحسم كي يحرمونا من التمثيل في الكنيست، ومن هنا جاء الاتفاق بين الأحزاب وكانت ضربة معلم في وجه اليمين والعنصريين.
- صحيح، وأمام هذا المشهد تحولوا إلى حرب جديدة وهي زرع الشكوك في جدوى وجود النواب العرب، وبدأنا نسمع مقولات ماذا فعل لكم النواب العرب؟ طبعا يقصدون بها نواب المشتركة! مرورا بأنه كفانا صراخا ومعارضة في الكنيست، وبمقولة علينا التأثير من الداخل.
وتابعت قائلا: وهكذا وصلنا الى التوصية على مرشح جنرال حرب في الجيش، وماذا كانت النتيجة؟ أدار لنا ظهره واتجه الى خصمه اليميني فالظفر ما بطلع من اللحم.
- نعم ووصلنا الى حد المطالبة بالدخول الى الحكومة والائتلاف، وعندما تقول لأحدهم كيف تدخل بيتا دون أن يدعوك صاحبه للدخول؟ يقولون لك بدنا ندخل ع الحكومة، يا عمي اذا بطلع في ايدكم اتفضلوا ادخلوا.
وآخر مثال ما حصل للدكتور انت عارفه، الذي ظن أنه جاب الذيب من ذيلو أو باع الفجل ع أصحابه..
هنا أشرت لصديقي بأن يتوقف عن الكلام، واقترحت عليه أن نؤجل مواصلة نقاشنا لجولة أخرى، لأن الدخول في هذا الموضوع سيمتد معنا لساعات أخرى. شعرت أن صديقي يكظم غيظه، أدار ظهره وانطلق بخطوات سريعة..
(شفاعمرو – الجليل)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com