ما زال الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يتمتعون بالحكم الذاتي داخل غرف السجن، ويكاد أن يكون تدخل السجان في شؤونهم الداخلية مقتصراً على البعد الأمني، تماماً كما يحدث في رام الله هذه الأيام، ولكن معابر السجن وبواباته الخارجية تظل في يد السجان، فهو المتحكم بالداخل والخارج من السجن، تماماً كما يحدث على المعابر إلى الأردن.
من داخل غرف السجن، كان يجري الأسرى الفلسطينيون انتخابات ديمقراطية، لاختيار قياداتهم، وكان إدارة السجن تعلم بذلك، وتغمض عينها، فلا بأس طالما كان الحراك داخل الغرف، ولكن إن استوجب الأمر ، كانت إدارة السجن تتدخل بشكل غير مباشر في انتخابات الأسرى، وعلى سبيل المثال، كانت إدارة السجن تقوم بترحيل بعض القيادات الصعبة والمتشددة قبل موعد الانتخابات بأيام، وكانت تستقدم إلى السجن قيادات أخرى، قد تكون أقل تشدداً، لتضمن لها الفوز بالانتخابات.
الشعب الفلسطيني يجري انتخاباته للمجلس التشريعي والرئاسة بعلم دولة الاحتلال، وموافقتها، ورضاها، وربما تدخلها غير المباشر من خلال سماحها لبعض القيادات بالتنقل بين غزة والضفة الغربية، وحرمانها لبعض المرشحين من الانتقال بين مدن الضفة الغربية، بل تقوم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باعتقال كل من لا ترغب له بالفوز، لتسهل لغيره الفوز المضمون، وقد تستدعي وتهدد بعض الشخصيات، وإذا تحقق لها الفوز تقوم باعتقالهم، كما حدث للفائزين بانتخابات المجلس التشريعي لسنة 2006.
الانتخابات تحت سطوة الاحتلال وبطشه في الضفة الغربية لا تختلف كثيراً عن الانتخابات في السجون، مع التأكيد على أن الانتخابات في السجون أكثر حرية وديمقراطية من نظيرتها في الأراضي المحتلة، فالذي ينتخب في السجون لا يمتلك مالاً، ولا وظائف، ولا ترقيات، ولا فائض طعام أو شراب أو شريحة جوال، فكل السجناء سواء بممتلكاتهم، لذلك فالمنافسة تقوم على الوفاء والعطاء والتضحية والإخلاص للقضية، بينما الانتخابات تحت سلطة الاحتلال مخترقة بالامتيازات والأموال والمناصب والوعود الزائفة، وفيها الكثير من الرشاوي الانتخابية التي تؤثر على صوت الناخب، وتحرف مسار الديمقراطية.
الانتخابات خلف الأسوار بعيدة عن التحالفات، ولا تجري وفق المصالح الحزبية والشخصية، ويمنع فيها التكتلات، ولا يوجد داخل غرف السجن دعاية انتخابية زائفة، لذلك يصير انتخاب الشخص في السجون لمكانته وقدراته وعلمه وانضباطه وحسن سلوكه، بينما انتخابات المجلس التشريعي لا تخلو من التكتلات الحزبية، والمصالح الشخصية، والنعرات القبلية.
كانت الانتخابات خلف الأسوار تهدف إلى تحقيق مصالح الأسرى، ومواجهة الإدارة، والقائد في السجن هو أول من يضحي، وآخر من يتكسب، ولا تمايز أو امتياز لمن ينتخب، والفوز يعني المزيد من الشقاء والتعب وتحمل المسؤولية، بينما انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة فيها من المصالح والمنافع والمكاسب والرواتب والاستفادة ما يجعل اللهاث عليها عليلا، وتجعل المرشح يتوسل صوت الناخب ذليلا.
الانتخابات خلف الأسوار تجري بشكل سنوي، وفي موعدها، ودون إعاقة، وليست بحاجة إلى مرسوم رئاسي، أو لجنة انتخابات مركزية، ولا هي بحاجة إلى رصد الملايين لشراء أصوات الناخبين، في السجون الإسرائيلية توزع الكشوف بأسماء أسرى تنظيم حركة فتح على غرف السجن، وعلى كل أسير أن ينتخب من يراه مناسباً للقيادة، وقد فزت شخصياً في انتخابات حركة فتح في سجن عسقلان بعضوية المؤتمر سنة 1992، دون أن أرشح نفسي، وقد فزت بعضوية المجلس الثوري في سجن غزة سنة 1993 دون أن أقدم نفسي لذلك، وقد جزت مع الدكتور جواد الطيبي وزير الصحة السابق على الترتيب السادس مكرر، وفاز في تلك الدورة كل من هشام عبد الرازق، وسمير المشهراوي وهشام الدسوقي، وسفيان أبو زايدة، ومحمد العواودة وعبد الله حمدان ومعاذ الحنفي، وأخرون نسيت أسماءهم، وكان عنوان الفوز هو سلوك السجين على مدار العام، وكان تصرف السجين اليومي والمكشوف هو الدعاية الانتخابية، وكان الانتماء الوطني الصادق، والعلاقة الحميمة بالأسرى هي البرنامج السياسي، وكانت ثقافة الأسير وقدراته السياسية والفكرية هي الرشوة الانتخابية، وهذه صفات نتمناها في المرشحين لعضوية المجلس التشريعي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com