ذَاتَ يَوْمٍ اسْـتَـيْـقَـظَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ وَهِيَ تَـبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ وَتَـصْـرُخُ ، فَزِعَتِ الْأَشْجَارُ عَلَى شَاطِئِ التُّــرْعَةِ وَأَشْجَارُ الْجَزْوَرِينِ وَالتُّـوتِ وَالصَّفْصَافِ عَـلَى (مَرْبَطِ) (وَطِوَالَةِ) الْـبَهَائِمِ ، وَهَـرَعْـنَ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، كَــمَا فـزِعَ الْحِمَارُ وَفَـكَّ نَفْسَهُ مِنَ الْوَتَدِ الَّذِي رَبَطَهُ بِهِ الْعَمُّ شَنْدَوِيلِي ، مُسْرِعاً إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، يُنهِّقُ فِي حُزْنٍ وَيَسْـأَلُهَا عَمَّا بِهَا ،كَمَا خَرَجَتِ الْعَصَافِيرُ مِنْ أَعْشَــاشِهَا بِــزَقْزَقَةٍ حَزِينَةٍ ، وَأَخَذَ الْـيَمَامُ يُحَـلِّقُ فِي السَّمَاءِ فَوْقَ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ وَهُوَ يُدَنْدِنُ فِي حُزْنٍ: وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ، وَحِّدُوا رَبَّكُمْ وَرَفْـرَفَتِ الْحَمَائِمُ وَهَـدَلتْ هـَدِيلاً مُـحُزِناً ،وَهَـاجَ وَمَـاجَ الضُّـفْدَعُ بِـنَقِيقِهِ مُتَـجَمِّعاً فِي التُّـرْعَةِ ،حَزِيناً مِنْ أَجْلِ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، وَنَبَحَتِ الْكِلاَبُ فِي أَسَىً هَوْ هَوْهَوْ هَوْهَوْ ، وَهِيَ تُـرْخِي ذُيُولَهَا ،وَأَسْرَعَتِ الْجَوَامِيسُ وَالْأَبْقَارُ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ،الْكُلُّ يَسْـأَلُهَا عَمَّا أَلَمَّ ،بِهَا وَهِيَ تَـبْكي وَتَـقُولُ : تَعَدَّدَتِ الْأَسْـبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ ، لَقَدْ جَاءَ فِي مُـنْـتَـصَـفِ اللَّـيْلِ رَجُلٌ قَوِيٌ ، وَمَعَهُ عُصْـبَـةٌ أَقْوِيَاءٌ مِنَ الرِّجَالِ ، مَعَهُمْ مِنْشَارٌ آلِيٌّ قَطَعُوا بِهِ أُمِّي (الشَّجَـرَةَ ابْتِسَامَ) ، وَعِنْدَمَا سَـأَلْـتُهُمْ لِمَاذَا تَقْطَعُونَ أُمِّي ؟!!! قَالُوا :لِنَطْبُخَ بِهَا الْعِجْلَ الَّذِي ذبَحَهُ الْعُمْدُةُ فِي فَرَحِ ابْنِهِ ، قَالَ الْقِرْدُ الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مُـتَـأَخِّراً : مَصَــائِبُ قَــوْمٍ عِنْدَ قَــوْمٍ فَوَائِدُ ، وَقَالَتِ الْجَامُوسَةُ : إِنَّ هَذَا الْعِجْلَ الَّذِي ذَبَحُوهُ لِفَرَحِ ابْنِ الْعُمْدَةِ هُوَ ابْنِي يَا حَبِيبَتِي الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ ،فَمُصِيبَـتـُـُنَا وَاحِدَةٌ ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِـرُ: ( إِنَّ الْمَصَــائِبَ يَجْمَعْنَ الْمُصَابِينَا ) وَأَخَذَتْ جُمُوعُ الطُّـيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالنَّـبَـاتَــاتِ تُعَزِّى الشَّجَـرَةَ سَعْدِيَّةَ وَ(الْجَامُوسَةَ رَحَا) ، وَأَخَذَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ تَمْسَحُ دُمُوعَهَا وَقَدْ بَلَّـلَتِ فُروعَـهَا قَطَرَاتُ النَّدَى الْجَمِيلَةُ ، وَهِيَ تَقُولُ : (( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) ( 156 سُورَةُ الْـبَقَرَةِ ) ( اللَّهُمَّ أَجِرْنَا فِي مُصِيبَتِنَا وَأَبْدِلْـنَا مِنْهَا خَـيْراً) ( اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْـنَا أَجْرَهَا وَلاَ تَفْتِــنَّا بَعْدَهَا وَاغْــفِرْ لَنَا وَ لَهَا ) قَالَ الدِّيكُ بِصَوْتٍ حَـزِينٍ :- وَهُوَ يَـبْكِي - لَقَدْ كَانَتِ الشَّجَـرَةُ ابْتِسَامُ تُسَـبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا لَيْلَ نَهَارٍ وَتُطِيلُ الاِسْتِغْفَارَ ، وَكَثِيراً مَا كُـنْتُ أَلْعَب فِي ظِلِّهَا ، فَـتَـسْـتَـقْـبِـلُـنِي فِي حَـنَانٍ ، كَـأَنَّهَا تَسْـتَـقْـبِـلُ ابْـنَـهَا الْعَائِدَ ، وَتَـهُـزُّ فُـرُوعَهَا بِالنَّـسَمَاتِ الْحَانِيَةِ ، وَأَحْيَاناً بِالْــهَوَاء الشَّدِيدِ الَّذِي يَدْفَعُ الْحَبَّ مِنْ أَمَاكِنَ أُخْـرَى فَـأَلْـتَـقِطُـهُ ، رِزْقاً لِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي تَكَفَّلَ بِرِزْقِ كُــلِّ دَابَّةٍ عَـلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، كُـنْـتُ أُحِسُّ مَعَ الشَّجَـرَةِ ابْتِسَامَ بِحَـنَانِ الْأُمِّ الَّذِي افْـتَـقَدْـتُـُهُ مُـنْذُ صِغَرىِ ، وَارْتَـفَعَ صَوْتُـهُ بِالْـبُكَاء وَهُوَ يَصِيحُ : كُـوكُو كُكُو كُـوكُو كُكُو وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ,عَقَّـبَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ عَلَى عَزَاءِ الدِّيكِ قَائِلَةً : شُكْراً لَكَ أَيُّهَا الدِّيكُ الْمُؤْمِنُ عَلَى مَشَاعِرِكَ الْفَـيَّاضَةِ الْمَلِيئَةِ بِالتَّـرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ وَالْإِحْسَاسِ الْجَمِيلِ بِالْآخَرِينَ وَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِـنِـينَ.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com