ليس المهم أن تحكم بل الأهم أن توفر الحياة الكريمة لشعبك. وهذا ما هو ليس على بال الحكام العرب ولا من أولوياتهم. فالدكتاتوريات العربية همها رخاء أبنائها وأحفادها وأهلها وزبانيتها وليس رخاء شعبها. والسبب واضح لأنه لا يوجد من يسائلها أو يحاسبها أو عنده الإمكانية لاستبدال تلك القيادات بأحسن منها. لذلك فإن غياب الديمقراطية وعدم فصل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية عن بعضها البعض وغياب الحرّيات تعتبر أسباب رئيسية في وجود الفقر والجوع والفساد في العالم العربي. في الدول الديمقراطية، تعيش الشعوب في رخاء وازدهار ويكون رئيس الوزراء ووزراؤه موظفون في الدولة براتب شهري معروف هدفهم خدمة مجتمعهم، بينما في عالمنا العربي تعيش القيادات برخاء هي وعائلاتها على حساب شعوبها المتعثرة والفقيرة ويكون الشعب هو الذي يعمل من أجل راحة الحاكم. معادلة مقلوبة تماما في فهم الاقتصاد وأسسه.
وحتى الدول العربية التي فيها أحزابا تتنافس على الحكم، فليس هدفها الوصول للحكم من أجل تحسين ظروف الحياة المعيشية للناس، بل يريدون الوصول للحكم من أجل والكراسي والمناصب. هذا ما يحصل في فلسطين بين أكبر فصيلين وهما فتح وحماس. فتح تحكم الضفة والاقتصاد من سيء إلى أسوأ، وحماس قاتلت من أجل الوصول للحكم وعندما حكمت انهار الاقتصاد الغزي. والمؤسف أنّ كل فصيل يرمي فشله كلّيا على الاحتلال. صحيح أن الاحتلال سبب كل مصائب الشعب الفلسطيني، ولكن هناك هامش للحزبين الحاكمين وفرصة تاريخية لهم لم يستغلوها وهي إعطاء نموذج في الحكم بعيد عن الفصائلية والحزبية الضيقة والحكم بشفافية وبصيغة تشاركية من أجل مصلحة الناس وليس لمصلحة قيادات الأحزاب الذين يعتبرون أنفسهم فوق المسائلة. وهكذا في كافة الدول العربية التي يتنافس فيها الأحزاب على الكراسي والحكم. وربما لبنان مثل صارخ على سلبية أثر تنافس الأحزاب على الوضع الاقتصادي في البلد. فكل طائفة تريد أن تحكم، والشعب تائه بين رؤساء الطوائف وطموحاتهم في المحاصصة وتقاسم الحكم والخاسر الأكبر هو المواطن اللبناني الغلبان. إذن، أحزاب معظم الدول العربية للأسف ليست أفضل من دكتاتورياتها الحاكمة. وسواء كانت تلك الأحزاب ليبرالية أم يسارية أم وطنية أم قومية، لم يلمس المواطن العربي أي فرق بينهم قد يؤثر على حياته وينتصر للقمة عيشه. نريد حكاما تنتصر لشعوبها وحق تلك الشعوب في الحياة الكريمة.
المواطن العربي يريد أن يعمل بكرامة، ويفتح محله التجاري ومصنعه ومزرعته بدون خوف من الدولة أن تشاركه قوته بالطرق الفاسدة. وهو مستعد أن يدفع ضريبته المستحقة للدولة ولكن ليس لجيوب بعض الساسة الفاسدين المتنفذين. والمؤشر بسيط: إذا نظرنا اليوم إلى وضع جميع حكام العرب تجدهم أغنياء وحساباتهم بالبنوك بالملايين بينما أغلب الشعوب العربية فقيرة ومتعثرة وشبابها عاطل عن العمل، بالرغم من وجود الخيرات في العالم العربي الذي يكفي لثلاث قارات. لذلك تكمن أهمية الانتخابات من أجل اختيار قيادات شريفة غير فاسدة مالياً تعمل من أجل شعبها وتضع السياسات الاقتصادية والتنموية التي تهدف لأن يعم الخير على الجميع وليس فقط على الطبقة الحاكمة. فمن واجب الدول العمل على ازدهار شعوبها ورخائها. ولا تكفي الشعارات والوعود، وغير مقبولة الأعذار والتبريرات الفاشلة مثل أصحابها. إذا لم يستطع الحاكم توفير حياة كريمة لمواطنيه فليرحل. وإذا كانت نتيجة صعود حزب محدد للحكم هو دمار البلد اقتصاديا، فليتنحى ذلك الحزب بهدوء وتواضع. فليس المطلوب من حماس على سبيل المثال أن تستمر في حكم قطاع غزة لمدة خمسة عشر عاما وقد رأت منذ السنة الأولى كيف أن حكمها دمّر الاقتصاد والحياة في قطاع غزة. وكل عام تطرح قيادات حماس عذرا جديدا لفشلها، تارة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتارة بسبب الحصار الدولي، وتارة بسبب النزاع الداخلي مع فتح، وتارة بسبب المؤامرات العربية. المواطن الغزي لا يهمه كل تلك التبريرات التي امتدت لمدة خمسة عشر عاما. لو كان التبرير لعام أو عامين، أو لحرب أو حربين لابتلعناها، أم أن نخرج من تبرير لنذهب إلى تبرير آخر ويستمر جيل وراء جيل من فقر إلى جوع إلى بطالة إلى إذلال إلى سجن كبير فهذا غير مقبول على الإطلاق. شعبنا في قطاع غزة أصبح يحكي مع حاله ويعاني من أمراض نفسية بسبب حكم حماس. إذا كان حكمك سيهلك الشعب، فلا داعي لذلك الحكم، حتى لو كان اسمه إسلاميا أو وطنيا أو قوميا، لأنّ الناس تعبت وقرفت من الشكليات والمسميات التي لا تغني من جوع.
من يستطيع أن يسعد شعبه فليتبوأ الحكم، أم من سيشقيه ويعذبه ويذله فبالناقص منه ومن أمثاله. وعندنا أوروبا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية أمثلة حية على تكامل السياسة والاقتصاد وأنظمة الحكم والحكام التي تعمل من أجل خدمة شعوبها وازدهارهم ورخائهم. لم يعد مقبولاً أن يستمر الوضع الاقتصادي والسياسي في العالم العربي كما هو اليوم. الحاكم يجب أن يخدم المواطن، وليس العكس كما هو حاصل. لذلك، فمن واجب المؤسسات في جميع القطاعات وكافة القوى الحيّة أن تقوم بدورها في توعية المواطن في المطالبة بحقوقه الاقتصادية وحقه في العيش الكريم. وآن الأوان أن ننعم جميعاً في عالمنا العربي بالازدهار والرخاء الاقتصادي.