هناك العديد من الأسئلة التي تتناثر فوق أذهاننا، منها عن الماضي، الحاضر والمستقبل، الماضي الذي عاشُه شعبنا، أجدادنا وعصر الفنّانين، القادة، الأدباء وغيرهم من الشخصيات المرموقة الخالدين في قلوبنا حتى هذا اليوم.
في الماضي لم يكن متاحا بأن تتعلّم عن بُعد أي عبر الانترنت، ولم يكن متاحًا بأن تصنع علاقات من كافّة البلاد أو حتّى من الأزقة التي تسكنها. حتّى أن تربية الأطفال كانت مختلفة عما هي اليوم، في حين أن على عاتقهم كانت توضع العديد من المسؤوليات والمهن لكي يوفّروا حاجات البيت غير المتاحة مثل اليوم.
اليوم كل شيء مُتاح، بفضل بحر الانترنت والتكنولوجيا. ولكن هذا الجيل الى أين؟ هل يمكن بأن يتكلّ على ذاته ويصنع انجازات استثنائيّة؟
كل ما نفكّر به، نبحث عنه في جميع المجالات نجده في عدّة ثواني عبر وسائل سريعة. وحتى الطعام بكبسة واحدة عبر التطبيقات السريعة، اجابة عن أي سؤال يخطر في البال، طلبيّة من دول بعيدة بالساعات والأيام تصل حتى باب الشقّة خلال عدّة أيام والعديد من الأمثلة التي قد تخطر على البال.
ولهذا يسمّى هذا الحاضر ب "عصر السرعة". ولكن..
أهيَ السّرعة ذاتها صحيّة للأجيال الحاضرة والقادمة؟ فقد فقدوا آليات البحث البطيء ومثال على ذلك: "البحث عن كتاب أو مقال مثير للاهتمام بين الكتب العتيقة والتي تلبس الغبار منذ عصر أجدادنا على رفوف المكتبات". هذا البحث البسيط والذي يحفّز الانسان على القراءة وتطوير الآفاق وقدرات البحث قد استبدلت عبر "كبسة".
نعود الى فكرة بأن كل شيء مُتاح، المتاح الذي يأثّر عَلى تكاسل الانسان، ولا يقود به الى التطوير الذاتي وإنّما يتركه مع الساحة التكنولوجيّة يتحاور معها وحده ويتباعد عن العلاقات الحقيقيّة التي على أرض الواقع.
كما بأن هنالك معتقدات بأن الدلال والاهتمام الزائد بالطفل يسيء الى بناء شخصيّة مستقلّة، ولكن الان نرى تربية أخرى ودارجة وهي التربية التكنولوجية أو الدلال الديجيتالي الذي يؤدّي الى قمع الشخصيّة الباحثة والمتطوّرة فكريًّا وحركيًّا.
لذلك، ليس مفاجئًا بأنّه نسبةً للأبحاث فإنّ معدّل استخدام الانسان لهاتفه النقّال هو نحو احدى عشر ساعة يوميًا. أيمكن بأن تتصوّر أيّها القارئ كيف يمكن لكائن حي بأن يتحاور مع جهاز لا روح فيه بكل هذه الساعات! مفاجئ جدًا ومتوقّع جدًا في ذات الوقت بأنّ العالم يتقدّم تكنولوجيًا والانسان ينمو بوتيرة بطيئة حتّى التكاسُل والنوم دون يقظة أو إدراك.
كل شيء مُتاح، الانسان يقضي جالسًا وراء شاشة الجهاز في أغلبيّة الوقت بدون علاقة لمكانه ومكانته في المجتمع وأمام ذاته. وهُنا نسأل أنفسنا مرة أخرى، الى أين هذا الجيل؟
وبهذا الأمر، أتطرّق الى زمن الماضي الجميل، الذي عاشه أجدادنا بجماليّة صعوبته وتبسيطه بالرغم من صعوبة الحصول على الكهرباء، الأغذية والسفر. والى زمن الحاضر الضائع اليوم بين الأجيال التي روَت لنا شوقها نحو البارحة، وذهولها من جيل التكنولوجيا والشاشات غير النابضة المتكاسلة.
وهُنا نرى بأن نستغلّ التكنولوجيا لأغراض ايجابيّة وبأقل وقت، وبأن ننتج ونحصّل من مجهود أفراد الجيل الصاعد الذي سينمو وينمّي الحاضر حتى نصل الى مستقبل قادرين على التحكّم بهِ لا التحكّم بنا.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com