حفل تاريخنا العربي والفلسطيني بكثير من المعارك الفاصلة , التي غيرت مجرى الاحداث على الساحتين العربية والفلسطينية وحتى العالمية , وغيرت خارطة العالم العربي وتبعيته السياسية والاجتماعية . ومن تلك المعارك الفاصلة كانت معركة مرج دابق 1516م / 922 هجري . والتي دارت رحاها بين المماليك [ الذين كانوا قد بسطوا سيطرتهم على المنطقة سنة 1560 م بعد دحرهم للمغول غي معركة عين جالوت , وعلى الصليبيين في سلسلة انتصارات عسكرية كانت اخرها معركة عكا 1292]
وبين الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول , فكان النصر فيها حليف العثمانيين , فكانت هذه المعركة , وما اعقبها من معرك – معركة جلجولية ومعركة خانيونس 1517 قد رسمت الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة عامة ولفلسطين خاصة , اذ طويت صفحة الحقبة المملوكية في المنطقة ودخول المنطقة ومن جعبتها فلسطين الى حقبة الحكم العثماني .
السلطان سليمان القانون يجدد بناء سور القدس 1537موفي عام
تشير الوثائق التاريخية الموثوقة والمعتمدة ان العثمانيين ومنذ ان ال اليهم الامر في القدس فقد اولوا لها اهتماما عظيما فاق كل الحقبات وخاصة في فترة حكم السلطان سليمان القانوني او الكبير ابن السلطان الفاتح سليم الأول والذي امر بتجديد بناء سور القدس , سور من شانه تعزيز امن المدينة والتي بقيت من دون سور قرابة ثلاثة قرون , وفي غضون اربع سنوات تم انجاز بناء هذا الصرح الهندسي والتحفة العمرانية الذي أحاط بالمدينة من جهاتها الأربع .
تميز بناء سور القدس بكونه شيد بصورة محكمة على ارتفاع يتراوح ما بين 12 الى 15 مترا , وعلى طول 4 كم تقريبا , وبسمك 3 امتار , ومن اجل إتمام هذا العمل جند السلطان أموال طائلة تقدر بثلاثمئة الف قطعة ذهبية افجة تركية وجلب كبار المهندسين والحرفيين واستقدامهم من الفاهرة وحلب وإسطنبول وغيرها .
تميز السور بكونه صمم ليكون فن في العمارة العسكرية الدفاعية من حيث طريقة الحراسة والمراقبة , ووجدت فيه طاقات يصب منها الزيت المغلي لدفع الأعداء وفيه فتحات صغيرة لرمي السهام , وله أربعة وثلاثون برجا
وقد شمل السور 11 بابا منها 7 مفتوحة وهي باب الاسباط وباب حطة وباب العتم وباب المغاربة وباب الغوانمة وباب الناظر وباب الحديد وباب المطهرة وباب القطانين وباب السلسلة اما المغلقة فهي الباب الثلالثي والباب المزدوج والباب المفرد وباب الرخمة وباب الجنائز , تميزت جميع هذه الأبواب بدقة الصنعة والجمال , وان فاق بعصها البعض الاخر شهرة ومكانة لعل من اشهرها
باب العامود
انه اجمل الأبواب في سور مدينة القدس وأكثرها ثراء من ناحية معمارية وزخرفية , علاوة على حجمه ومساحته الكبيرة . حيث تتميز واجهته الشمالية بالضخامة فتمتد ما يقرب من 42 مترا , وترتفع بمقدار 16 م وثمانين سم حتى بداية شرفات السور العلوية , وتتكون الواجهة الشمالية من برجين كبيرين يحدان دخله يبلغ طولها مترين وتتراجع هذه الدخلة من جهتي الغرب والشرق ويتوسطهما فتحة باب الدخول , ويبلغ تراجع الدخلة من جهة الغرب 15,6 م . في حين يبلغ تراجعها في جهة الشرق حوالي 27,6 م , وكلا التراجعين على زاوية منفرجة مقدارها 110 درجة .
ويعلو فتحة الباب عتب حجري ويقوم فوق العتب مباشرة عقد مستقيم يدعم لوحة حجرية مستطيلة نقش بها سطران من الكتابة البارزة بخط النسخ العثماني , ونص الكتابة – [ امر بانشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم سلطان الروم والعرب والعجم سليمان خان خلد الله ملكه وسلطانه في سنة اربع وأربعين وتسعمائة ]
ويتوج هذا المدخل عقد مذبذب يزينه صفان من حلية نباتية قوامها ورقة خماسية البتلات ويؤطر العقد شريط من نخيلات متراصة ويحيط بعقد المدخل مجموعة فريدة من الدوائر الحجرية ذات زخارف نباتية وهندسية ضمت مجموعة من المزاغل لرمي السهام والبارود ولاتاحة الفرصة للمراقبة , ونظمت سقاطات ما بين عقد الباب وصدره تسمح بالقاء المواد التي تعمل على إعاقة الاقتحام
يعود مصدر الاسم باب العامود نسبة الى عامود من الرخام الأسود الذي يبلغ ارتفاعه أربعة عشر مترا , كان قد وضع في الساحة الداخلية للباب في الفترة الرومانية والبيزنطية ,
يكتسب باب العامود أهميته كونه يعتبر المدخل الرئيسي للمسجد الأقصى المبارك ولحائط البراق ,يقع باب العامود في الجهة الشمالية من السور المحيط بالبلدة القديمة في القدس , عند بداية انحدار الوادي الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال الى الجنوب , والذي يعرف بطريق باب الواد . ,وعرفت هذه الطريق في الفترة العثمانية والمملوكية بالشارع السلطاني وطريق وادي الطواحين , وبالشارع الأعظم .
يمكن ان ننهي ان باب العامود الى جانب كونه معلما معماريا ساحرا فهو يشكل ساحة تحشد اليها دعاة رفض تهويد المدينة المقدسة .