كلمات قليلة كتبتها والدة رمضان أبو لطيّف (20 عاما)، الذي لقي مصرعه في جريمة قتل فجر الأحد. كلمات قليلة لكن في باطنها رسالة كبيرة لمجتمع صار يستبيح الجريمة، وأصبح سفك دم الإنسان بالنسبة له شيء عادي، فلا أشهر حُرُم تمنعه ولا حتى شهر رمضان المبارك.
كتبت والدة المغدور، ريتا أبو لطيّف (أم رمضان)، على صفحتها على الفيسبوك، كلمات قليلة تقشعِر لها الأبدان، ترثي بها ابنها البكر رمضان: "كمية الدم التي تم التبرع بها وقدموها لابني كانت لِتُستعمل لوالدة نزفت أو لمصاب بحادث طرق.. لمريض فقد مناعته أو مريض قل دمه أو أمراض أخرى لا علم لي بها.. فيا أبطال المعارك الوهمية، إن رخصت روح واحدة فلا تؤذوا الأرواح الأخرى! كل مغدور ونحن بوعي أكبر!".
أنا مش مجرد رقم
رمضان أغتيل بدون ذنب اقترفه.. وها هي عائلته تنتظر تحرير جثمانه من معهد الطب الشرعي أبو كبير، ليوارى الثرى في مقبرة العائلة، إلى جانب شقيقته الصغيرة وجده الذي سُمي على إسمه.
المرحوم شارك يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي تغريدة استنكار للعنف على خلفية جرائم القتل في المجتمع العربي، جاء فيها: "ثمة ما هو أقوى من السيف والخنجر. العقل. إنّ تبرير القتل أفظع من القتل. وتغطية الدماء بستر من المعاذير أبشع من سفكها. لقد طلبتم العدل ولكن بلا عقل. الآن انظروا أمامكم لحظة لتروا بأعينكم العدل خارج الزمن. ذلك أننا من الممكن أن نسفك دم أجيال كثيرة لمجرد أننا ربطنا أنفسنا كالبهائم إلى أوتاد لحظة واحدة وقعت فيها من جريمة خطيرة. أيها السادة أديروا ظهوركم لأمس الدمى الأسود واستقبلوا يومكم وغدكم بدله. لقد جعلتم أنفسكم فريسة أنفسكم وهزأة للعالمين وأنتم تولون وجوهكم الحائط الأصم وتزمعون السير قدما.. أنا مش مجرد رقم.. أين الفكاك من الدم؟".
حسن السيرة والأخلاق
رشدي أبو لطيّف، ابن عمة المرحوم، نعاه قائلا: "ما لبثَ أنْ أتمّ العقد الثاني من عمرهِ، حتى فارقَ الدار الفانية الى الدار الباقية... رحمكَ الله يا إبن خالي، رمضان صادق رمضان أبو الطيّف، ما عرفنا عنك إلا السيرة الحسنة ونُبل الأخلاق والمعاملة الطيبة.. كيف لا وأنت لم ترَ من الحياة سوى صفحاتها الأولى... كان آخر عهدي معه حين ألحّيتُ عليه بالسؤال "وقتيش بدك تتجوز؟".. فخجل قائلاً "إن شاء الله لما أبني دار".. رحمه الله، نسأل الله أن تكون آخرته خير له من دنياه".
وأضاف قائلا: "أبوه صادق إبن جدي رمضان -رحمه الله- وجدته جالساً صابراً محتسباً كعادته، أسأل الله أن يعوضه خيراً، ويجزيه عن صبره وإيمانه... أعانك الله خالي صادق، إذ فقدتَ طفلتك قبل بضع سنون وبعدها فقدت والدك، وها أنت اليوم على مشارف دفن بِكرك بجانبهما، المرحوم بإذن الله رمضان. ربنا يحمل معه ويصب الصبر عليه صباً.. سبحان الله، لم تكن حياة عائلة خالي صادق مُيسّرة، فكانت مليئة بالامتحانات والابتلاءات.. وما عهدنا منه إلا أن تجاوز كافتها بيقين المؤمن وصبر المتوكل على الله".
وأنهى قائلا: "رحمك الله يا رمضان.. يا من رحلتَ في شهر رمضان. رحمك الله، يا من لاقيت وجه ربك في أولى ليالي الوتر. رحمك الله وسامحك وغفر ذنبك، وجعل الجنّة يا رب مأواك.. وما نقول إلا ما يرضي الله تعالى، إنا لله وإنا إليه راجعون".
"قتلنا ونحرنا رمضان في رمضان"
وقد تفاعل العشرات من أهل النقب على صفحاتهم بعد هذه الجريمة المروّعة، حيث شاركوا أهل الضحية العزاء بمصابهم الجلل واستنكروا الجريمة البشعة التي جاءت قبل ساعة من السحور وصيام يوم آخر في رمضان.
وقال عطا أبو مديغم، نائب رئيس بلدية رهط، قائلا: "موقفنا واضح ضد الجريمة النكراء التي طالت حياة الشاب المرحوم رمضان أبو الطيف، وندينها ونستنكرها بشدة. تشييع الجثمان سيكون صباح الاثنين، حيث تواصلت مع قائد الشرطة في رهط ومعهد أبو كبير من خلال نوابنا العرب، حيث تمت الموافقة على تشريح الجثمان بدون أمر احترازي من المحكمة وتسريح الجثمان صباحا وعدم الاحتفاظ به حتى المساء كي يتسنى للأهل جميعا في رهط تشييع الجثمان بجنازة تليق بالمرحوم والمصاب الجلل".
وكتب الشيخ وليد أبو كف: "عندما يصبح رمضان عادة وليس عبادة، نصوم عن الطعام والشراب ونفطر على دماء بعضنا. قتلنا ونحرنا رمضان في رمضان ولم نكترث بدم رمضان. في حرمة رمضان. الأمة تنزلق بأخلاقها إلى الحضيض والهاوية. لا حرمة لدم رمضان ولا حرمه لشهر رمضان".