مرت على شعبنا في الداخل الفلسطيني محطات عديدة شبيهة بالتي تمر علينا هذه الأيام، وقدم شعبنا تضحيات كبيرة من أجل بقائه مرابطا على ارض فلسطين الغالية.
فمنذ النكبة شهدنا العديد من المواجهات ما بين السلطة الظالمة وشعبنا الذي ينشد المساواة التامة والعيش الكريم.
وخلال كل تاريخنا منذ النكبة رسمت التيارات السياسية المتعددة في داخلنا الفلسطيني صورة لتعريف رؤيتها السيساية لطبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, فالجبهة والحزب الشيوعي تحدثوا علنا عن حل الدولتين لشعبين : دولة في حدود ال 48 وأخرى في حدود ال 67 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا الحل هو الحل المقبول عمليا على معظم دول العالم والهيئات القانونية والرسمية وحتى على معظم القوى الفلسطينية الناشطة خراج حدود ال 48.
وهناك من تحدث عن حل ال "دولة الديمقراطية لجميع مواطنيها" مقابل دولة فلسطينية على حدود ال 67. وهناك من طرح حل الدولة الفلسطينية الواحدة من النهر الى البحر. وهناك من لم يقدم أي طرح وبقي في زاوية الصمت بعيدا عن المواجهة سواء مع السلطات أم مع شعبه الذي في معظمه يتبنى الطروحات السابقة قولا وعملا.
وعند الوقوف عند الطرحين الاولين نرى أن الجبهة والحزب الشيوعي قد قدما هذا الطرح بعد احتلال اراضي ال 67 وقبل ذلك كان طرحهما يميل الى الانصهار في الدولة اليهودية التي صرح مرارا قياديو الحزب الشيوعي أنها تمثل التحدي البديل "للرجعية العربية" خاصة أن العلاقات الحميمية بين الحزب والمهاجرين من الدول الشيوعية كانت واضحة وغير سرية ولا يمكن تجاهلها في العديد من المحطات التاريخية في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية قبل النكبة حتى انشاء الجبهة الديمقراطية في سبعينيات القرن الماضي.
لكن ما لم يوضحه أصحاب هذا الطرح هو طبيعة العلاقات داخل دولتهم "المتخيلة" أو المنشودة بين الشعبين اليهودي والفلسطيني. وأكثر من ذلك طبيعة مجتمع الاغلبية اليهودي المنشود الذي سنعيش معه سواء قبلنا أم رفضنا.
فحل الدولتين يعني عمليا الاقرار دون تأتاة بكوننا نحن فلسطينيي الداخل مواطنين في دولة اغتصبت أرضنا في العام 1948 وقبولنا في المواطنة والاقرار في نضالنا المدني الحقوقي واسقاط النضال السياسي من اعتباراتنا العملية. وعندها سنقف أمام حقيقة المجتمع اليهودي الذي نعيش معه ونشاركه المواطنة.
إن المجتمع اليهودي الذي سنعيش معه في حال تطبيق حل الدولتين سيكون هو نفسه المجتمع الحالي الذي فيه بن جفير وسموتريتش ونتنياهو وايضا جدعون ليفي وبقايا اليسار العقلاني الذي قد يقف في صفنا في نضالنا من أجل المساواة التامة.
والاعتقاد الرومانسي بطرح حل الدولتين لم يتجرأ مؤيدوه حتى اليوم أن يتحدثوا عن صورة المجتمع اليهودي المتوقع في اليوم التالي لاعلان حل الدولتين على الاقل في العقود القريبة القادمة, وهناك تصور أو إحساس أننا في لحظة تطبيق حل الدولتين سنعيش في الداخل ضمن مجتمع حمائمي أشبه ما يكون في شمالي أوروبا وانه بمجرد قيام دولتين لشعبين سنجد أنفسنا نحن فلسطينيي الداخل في رفاهية مطلقة وستنقرض ظاهرة العنصري بن جفير وتزول هيمنة اليمين بمجرد قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل . والمنطق وراء هذا التفكير نابع من فكرة بسيطة أساسها انه بمجرد قبول اسرائيل الحالية حل الدولتين فإن ذلك دليل على تغيير في جوهر وتفكير المجتمع اليهودي. لكن الامر الذي يتجاهله هؤلاء هو أن المجتمع اليهودي لا يقوم على فكرة العقد الاجتماعي وحقوق الانسان حتى لو تبنى بعض مظاهر اللعبة الديمقراطية إنما يقوم في أساسه على الاعتقاد بوجود "الحق الديني والتاريخي" لليهود على هذه الارض, وقبول المواطنة الكاملة لغير اليهود يعني في جوهره إمكانية تهديد معتقدات دينية وتاريخية عميقة في الفكر اليهودي. وهو الامر غير الممكن والذي يجعل من حل الدولتين مع بقاء اقلية غير يهودية متساوية في الحقوق حلا غير واقعي ومستبعد.
لذلك فإننا في العقود القريبة امام واقع فيه دولة يهودية ذات نظام ديمقراطي عرقي يسيطر عليها يمين ايديولوجي فيه ملامح من الفكر الفاشي وداخل هذه الدولة أقلية أصلانية مضطهدة لا تملك دعما من العالم العربي ولا من العالم الغربي لا على الصعيد الرسمي ولا الشعبي فكل الحديث الدائر في الاعلام العالمي في هذه الايام يتجاهل نضالنا من أجل حياة كريمة ويتجاهل خوفنا على ابنائنا ومستقبلهم ويكاد لا يرانا أو يشعر بنا ويعتبرنا خارج كل حل مقترح أو تسوية ممكنة, خاصة أن العصر الحديث لم يشهد تحركا دوليا لمنع ابادة شعب او لفرض عدالة اجتماعية (ربما حدث ذلك في البوسنة لكن لاسباب بعيدة عن مراعاة حقوق الانسان).
والله غالب على أمره
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com