في أعمال العنف بين العرب واليهود في الأسبوع الماضي، كانت البؤر الاستيطانية بمثابة "المجموعات الطلائعية" التي مهدت الطريق وأعدت البنية التحتية واللوجستية لكتائب المستوطنين وأتباع نهج كهانا لغزو المدن بشكل منظم لإلحاق الأذى بالعرب. شاهدنا هذا الأمر خلال الأسبوع الأخير وخاصة في اللد ولكن أيضًا في يافا والرملة وعكا.
على مدار العقد ونصف الماضيين، كانت البؤر الاستيطانية (تسمى النوى التوراتية لتخفيف دورها وأهدافها) لاعباً مركزياً في المدن المختلطة. هدفها الاساسي هو زعزعة التوازن الديمغرافي وتهويد المدن من حيث المشهد العام، وإخراج السكان العرب منها. في الأيام الاعتيادية، يروجون لهدفهم من خلال طرح نشاطاتهم وكأنها "من أجل جميع سكان الحي" وخاصة تنظيم دروس وتعليم اللغة العبرية. يهدف هذا الطرح إلى تخفيف المعارضة لهم. في الوقت نفسه، هناك حضور متزايد لـ "السيادة اليهودية" مثل شراء الممتلكات واسكانها في المزيد والمزيد من العائلات (فقط اليهود المتدينين، بالطبع)، وفتح المدارس الدينية، والمعاهد، وطبعا رفع الأعلام الإسرائيلية الكبيرة والعالية. ما لا يدعى للشك ان هدف هذه الأعمال هو التهديد المتواصل للسكان العرب. إذا كان هناك صمت، فهو صمت مصطنع هدفه السماح لروتين مقبول وليس أكثر. هذا الوضع هو بمثابة براكين نائمة تندلع أحيانًا بشكل خفيف لتذّكرنا بمدى خطورتها، كما كان الحال قبل أسابيع قليلة في يافا. ولكن عندما يكون هناك ثوران بركاني حقيقي - كما رأينا هذا الأسبوع – فإن الدور المدمر لهذه البؤر ينكشف بالكامل. كما يدخل نشطاء هذه البؤر، مسلحون ومدربون، في اشتباكات عنيفة مع السكان العرب ويطالبون أيضًا بتعزيزات من المستوطنين وعناصر اليمين المتطرف من الخارج.
من المهم التوضيح - ليس لدي أي نية التغاضي عن عنف يأتي من الجانب العربي وكان كذلك، فهو بحد ذاته عنف مخيف. لكن لا بد من الحديث عن الظل الذي تلقيه البؤر الاستيطانية في الأيام العادية على السكان العرب، وعلى العنف المنظم في بيئتهم في هذا الوقت. في اليوم التالي لمقتل موسى حسونة في اللد على يد مستوطني البؤرة الاستيطانية في حي راموت اشكول المختلط، وفي خيمة العزاء، سمعت من عائلته مرارًا وتكرارًا: "ليس لدينا مشكلة مع اليهود وهم لا يشكلون تهديدا لنا – المشكلة مع المستوطنين ". والجدير ذكره ذكره ان لا رئيس بلدية اللد, رفيفو, ولا أي من أعضاء المجلس اليهودي من اللد ولا ممثلي الحكومة – قدموا واجب العزاء للعائلة الثكلى. على الأقل حتى زيارتي هناك.
فأين الحكومة من هذا الأمر؟ في السنوات الثلاث الماضية، تم تحويل دعم حكومي للبؤر الأستيطانية الكبيرة فقط (هناك العشرات من البؤر الصغيرة) مبلغ 20.5 مليون شيكل (6 ملايين شيكل في اللد، 4.5 لـ "النواة الاجتماعية" في يافا، 2.2 لبؤر "اومتس" في عكا، 4.2 للبؤر الاستيطانية في الرملة و 3.8 "هدار لهدار" في حيفا) كل هذا بدون معاشات الموظفين منهم في البلديات. والتبرعات وما شابه. تقرير موسع لجمعية "مولاد" من العام 2014 يشير الى انه في هذه السنة فقط حظيت 68 من البؤر الاستيطانية دعم كبير وصل الى 24 مليون شيكل. ومنذ ذلك الوقت فان الدعم اخذ بالتزايد.
وهناك أيضا - ولا يقل أهمية - دعم رؤساء البلديات. ليس دائمًا وليس في ذات الحجم، ولكن عندما تكون هناك هوية أيديولوجية متطابقه - فهي سيئة ومريرة. في اللد، على سبيل المثال، هناك مثل هذه الهوية الأيديولوجية، وهي هوية يحافظ عليها رئيس البلدية المحامي يائير ريفيفو، بلا توقف. وليس صدفة ان يستضيف رئيس بلدية اللد أسبوع قبل الاحداث في اللد كتلة " الصهيونية المتدينه" وزعمائها سموتريتش, ستروك وبن غفير. ولكي نفهم الامر كتبت روث ليفين حين عن ذلك مباشرة عشية الأحداث في مقال في "هآرتس بعنوان "العنف القومي"، مقال يستحق القراءة.
هل رفيفو رئيس بلدية سكان المدينة جميعا؟ مساعده الأقرب لريفيفو، رئيس البلدية، أهارون أتياس هو مدير عام البلديه، كان مؤسس البؤرة الاستيطانية في اللد والشخص الذي أدارها لمدة عقد تقريبًا. ما هي الرسالة التي ينقلها هذا التعيين؟ هل من المتوقع أن يخدم جميع السكان؟
وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فقد رأينا الأسبوع الماضي أن الشرطة ونظام تطبيق القانون يرعون أيضًا هذه البؤرة. نتلقى باستمرار تقارير من سكان عرب يختبئون في منازل ويرون من الشرفات الشرطة ترافق وتحمي مثيري الشغب من البؤر الاستيطانية. أفادت الأنباء أمس أن جميع لوائح الاتهام التي قدمت حتى الآن بشأن أعمال الشغب كانت ضد عرب فقط.
نعم، بينما يختبئ العرب من المدن المختلطة في جميع أنحاء البلاد في منازلهم ويخشون مغادرة المنزل بسبب المجموعات المنظمة التي تحدد منازل العرب، لم يتم تقديم لائحة اتهام ضد أي مستوطن عنيف. ولا حتى شخص واحد. حتى في القضية التي انتهت بمقتل موسى حسونة في اللد، تم إطلاق سراح منفذي إطلاق النار في غضون أيام قليلة ومن المستحيل عدم الشك في أن هذا أمر إطلاق سراحه جاء من الجهات العليا لأن الإفراج عنهم تم بعد وقت قصير من إعلان وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا عن إن اعتقال مطلق النار كان "خطأ فادحًا وظلمًا فادحًا". وتأييده لاستعمال مدنيون يهود أسلحة نارية.
البؤر الاستيطانية هي مستوطنات تهدف إلى إفشال إمكانية العيش المشترك والمساواة والتواجد العربي في أي حي أو مدينة أو منطقة مجاوره يسكنها العرب واليهود. يجب على البلدية أو الحكومة اذا كان لديها مصلحة ألا يتفكك مجتمعنا تمامًا - ألا تقدم الدعم لهذا المشروع المدمر فحسب، بل يجب أن تتخلص من البؤر الاستيطانية. قسط من أموال الضرائب التي ندفعها جميعًا تذهب لبعض أعمال العنف التي شهدناها في الأسبوع الماضي، ويجب إيقاف ذلك. نحن في مبادرات إبراهيم ملتزمون بذلك.
• الكاتب هو مدير عام مشارك في جمعية مبادرات ابراهيم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com