اللقاحات وحقوق الإنسان| بقلم: ابتسام حنا المعلم

ابتسام حنا المعلم
نُشر: 01/01 09:38,  حُتلن: 12:12

قبل ما يزيد عن الثلاثة أشهر، وبينما كان موضوع اللقاحات ضد فيروس كورونا يشغل كل المسؤولين وغير المسؤولين في البلاد، ولا تخلو وسيلة إعلام ولا أي برنامج من الحديث عنه، كان جهاز الراديو مفتوحاً بقربي على إحدى المحطات الإسرائيلية باللغة العبرية . لم يكن انتباهي موجهاً للحديث وللأصوات الصادرة عنه، فقد انشغلتُ بأمر آخر . وفجأة لفت سمعي صوت امرأة تتحدث بصوت حاد جداً، فبدأتُ أصغي . هي إحدى "رجالات" السياسة والحكم في اسرائيل.


سألها مقدم البرنامج عن مصير فائض اللقاحات الذي اشترته اسرائيل وقد اقترب موعد انتهاء مفعولها , وعمّا قريب سيضطرون للتخلص منها مع النفايات.
وكان السؤال "هل تنوي الحكومة إرسال هذه اللقاحات الى الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ؟" وكان جواب هذه المرأة قاطعاً :" لن نسمح بنقل ولا حتى لقاح واحد للفلسطينيين , سنقوم بتطعيم العمال الفلسطينيين الذين يعملون لدينا ,فقط لا غير .... " . استمرت هي بحديثها بينما توقفتُ انا عن الإصغاء , فقد صدمتني شدة الكراهية التي تنفثها وتبثها هذه المرأة "المسؤولة" عبر حديثها . وتساءلتً كيف يمكن لامرأة ان تتكلم وتفكر بهذه الشراسة ؟ كيف لإنسان ولدولة ان تتصرف بهذا التحجّر وبعكس كل القوانين الدولية والأنسانية ؟
كان وباء الكورونا أو الكوفيد19 ينتشر بقوة في المناطق الفلسطينية , يصيب المئات ويقتل العشرات يومياً . في اسرائيل كانوا قد انتهوا من تطعيم السكان أو كل من أراد التطعيم وبقي لديهم ذلك الفائض الكبير الذي أشرف مفعوله على الأنتهاء.
ان تقديم فائض اللقاحات للفلسطينيين ليس منةً ولا معروفاً , فالقانون الدولي وخصوصاً القانون الدولي الإنساني يُلزم كل دولة تحتل شعباً آخر ان تقدم له كل الخدمات الصحية وغيرها لتساعده على العيش بكرامة . صحيح ان الجيش الإسرائيلي هو خارج غزة , لكنه يقف على حدودها ,وفي بحرها , وفي سمائها , يحاصرها ويمنع عن أهلها مواداً ومنتوجات كثيرة ويقف في طريق نموها والاعتماد على قدراتها الاقتصادية الخاصة. الأمر ذاته يحصل في الضفة الغربية حتى لو اتخذ شكلاً مختلفاً بعض الشيء . اسرائيل تسيطر على الفلسطينيين في كل جوانب حياتهم , لذلك فالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني يلزمها في هذه الحالة بتوفير اللقاح للفلسطينيين .
هذه "المسؤولة" ليست الوحيدة في موقفها , فكثيرون غيرها في الحكم والحكومة يتخذون هذا الموقف غير الإنساني .
في تلك اللحظة فكرت : " ماذا لو أرسلت اسرائيل فائض اللقاحات الذي تملكه للفلسطينيين ؟, ألن يكون ذلك عملَ خطوة باتجاه السلام تساوي سنوات من "محادثات سلام" " ؟؟ إنها خطوة لن تكلّف اسرائيل كثيراً فهي في النهاية ستقذف بهذه اللقاحات الى حاويات النفايات , ألن تكون بديلاً قوياً بدل بث الكراهية التي قادت البلاد بعد ذلك بفترة قصيرة الى جولة جديدة من الحروب والقتل والدمار والى مزيد من البغضاء بين سكان هذه الأرض ؟ أيستغربون بعد ذلك أن لجنة حقوق الأنسان التابعة للأمم المتحدة تقرر التحقيق في أحداث هذه الحرب وغيرها ؟؟
هذه الأحداث تذكّرنا بقوة بقصة أو مثَل "السامري الرحيم " الذي تكلم عنه المسيح في انجيل لوقا , فمن الضروري ان نقرأها أو نعيد قراءتها .
والآن أودُّ أن اكتب كصيدلانية وليس فقط من منطلق حقوق الإنسان. فممَ سبق يُفهم وكأنني أشجع الناس , كل الناس على أخذ اللقاح, وهذا غير صحيح. في مهنتنا ,وقبل ان نعطي دواءً أو استشارة بخصوص أي دواء , يجب علينا أن نعرف أقصى ما يمكن ان يُعرف عنه : مركباته ,طريقة تركيبه ,طريقة إدخاله الى الجسم وطريقة خروجه وكل ما يحدث بين النقطتين ,للدواء وللجسم , أي كيف وأين يتحلل الدواء وكيف يصل الى الأعضاء والى الخلايا حيث من المفروض أن يعمل... ثم علينا أن نعرف مفاعيله الأيجابية والسلبية والتي تختلف بحسب سن المريض ,جنسه ,وزنه ,حالته الصحية العامة , وتفاعل الدواء مع أدوية أخرى,كذلك يجب معرفة نتائجه على المدى القريب والمدى البعيد .
أكتب هذه الأسطر لأشرح سبب عجزنا في إعطاء رأي قاطع في الموضوع , فالآدوية تُجرّب وتُدرس سنوات وسنوات قبل ان يُسمح باستعمالها لدى البشر ,وهذا اللقاح لم يُجرّب سوى لفترة أشهر قليلة , فكان ينقصنا عنصر الزمن .
فكان السؤال : ما هو الأخطر أن يُصاب الشخص بالفيروس اصابة يمكن ان تكون بسيطة وعابرة أو إصابة خطيرة وحنى مميتة ( لا أحد يعرف الجواب ), أم ان يُخاطر بأخذ لقاح ناجع على المدى القريب ومجهول النتائج على المدى البعيد؟
والجواب كان يجب ان يصدر من كل انسان بحسب قناعاته وفهمه للأمور .

والآن عودة الى فائض اللقاحات , يبدو ان الحكومة الجديدة , وبسبب الضغوط الأمريكية وبسبب مصلحة اسرائيل الصحية في ان يكون جيرانها أيضأ محَصنين ضد هذا الفيروس , كي لا يعود اليهم بعد فترة ,قررت أو تنوي بيع هذه اللقاحات للفلسطينيين .هل ما زالت هذه اللقاحات فعّالة وصالحة للاستعمال ؟؟

 
الناصرة في 18.6.2021

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة