الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لا حول له ولا قوة. فهو قادر على اتخاذ القرارات داخل السلطة وعاجز عن اتخاذ أي قرار لوحده فيما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل ويعتمد في ذلك على (مساعدة الغير). وهذا الغير هو طبعاً الولايات المتحدة فهي وحدها التي تخطط وتقرر وتبلغ الرئيس عباس وما عليه سوى الموافقة، وهذا الأمر عشناه طوال الفترة الماضية باستثناء "شوية لاءات" للمجنون ترامب لأنه تجاوز كل حدود الدبلوماسية العقلانية وتصرف بالملف الفلسطيني "كعدو" وليس كوسيط.
الرئيس الأمريكي الجديد يتعامل مع القضية الفلسطينية بـ "قفازات حريرية" لكنها صناعة إسرائيلية، بمعنى أن بايدن عنده الرغبة في "حلحلة" الملف الفلسطيني ولكن ليس بأي ثمن، لأنه يريد الإبقاء على أن تكون إسرائيل هي خاملة "كرت الجوكر" في هذا الملف. و لمسنا ذلك في موقف واشنطن من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
الرئيس عباس وبالرغم من الإجماع الفلسطيني على أن رئس الحكومة الجديد بينيت هو أكبر معارض لقيام دولة فلسطينية ويرفض إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين إلا أن "أبو مازن" وعلى الأكثر لا يمانع من جلوس طاقم فلسطيني على طاولة مفاوضات مع طاقم يختاره بينيت. وعلى ذمة صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية في عددها ليوم أمس الجمعة، "فإن السلطة الفلسطينية تستعد لاحتمال استئناف مباحثات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لكنها لا تعول على حدوث اختراق في مثل هذه المباحثات، باعتبار الحكومة الإسرائيلية الحالية هشة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية".
لا أدري ما الذي يدفع الرئيس عباس أو ما الذي يشجعه حتى على التفكير في مباحثات مع بينيت رغم أن القيادة الفلسطينية تعرف سياسة هذا المستوطن وتعرف مواقفه إزاء الفلسطينيين. ومن المحتمل أن لرئيس عباس يستهدف وضع بينيت في الزاوية ويلقي الكرة في ملعبه، ليقول للرأي العام العالمي أنه مستعد للتفاوض مع من يرأس الحكومة الإسرائيلية، إذا كانت هناك نوايا للتقدم خطوة في المفاوضات بين الجانبين والمتوقفة منذ سنوات.
في هذه النقطة يلتقي عباس المحمود مع عباس المنصور في الرهان على بينيت، رغم وجود فوارق معينة. الرئيس عباس في حال قبوله بإجراء مفاوضات مع حكومة بينيت يراهن على تغيير موقف بينيت. ورئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس يراهن أيضا على نجاح حكومة الشرير بينيت، عباس الأول يتوقع (إذا جرت المفاوضات) أن يحقق الفلسطينيون تقدماً، وعباس الثاني يأمل في أن يحظى المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني بــ"لفتة كريمة" من رئيس الحكومة بينيت الذي يفتخر بأنه قتل فلسطينيين. يعني فلسطينيان عباسان يراهنان على بينيت: أحدهما "محمود" من سلطته وممن حوله، "والآخر "منصور" أيضاً من جماعته.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية تريد راحة السيد الرئيس. فهي تقوم بترتيب الأمور وتهيء له الظروف التي يحتاجها من أجل المحادثات المقبلة مع الإسرائيليين. وفي هذا الصدد قالت صحيفة الشرق الأوسط استناداً إلى مصدر فلسطيني أن "المباحثات مع الأميركيين لم تنقطع منذ فترة، وهم بدورهم تواصلوا مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، واتفقنا على الاستعداد من أجل دفع المفاوضات قدماً". وهذا يعني وجود تفاهمات فلسطينية أمريكية لاستئناف وتوسيع المحادثات مع حكومة بينيت.
ورغم هذه التصريحات والاعترافات من الجانب الفلسطيني، ماذا يتوقع محمود عباس من الأمريكيين، خصوصاً أن الرئيس الفلسطيني على علم تام بأن بينيت يعارض بشدة إقامة الدولة الفلسطينية، وبذل كل جهده لتنفيذ مخطط الضم الإسرائيلي، وفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية. يقول المصدر الفلسطيني على ذمة "الشرق الأوسط"" اللندنية: "لا نتوقع ضغطاً أميركياً كافياً على الحكومة الجديدة، ولا نتوقع اختراقاً، بسبب تركيبة الحكومة الإسرائيلية والظرف الذي أحاط تشكيلها وطبيعة المعارضة هناك".
على كل حال فإن المرحلة المقبلة للرئيس الفلسطيني ليست سهلة خصوصاً أنها تتطلب استعدادات وترتيبات في البيت الفلسطيني، والمشكلة الأكثر تعقداً هي من سيقود المفاوضات القادمة مع حكومة بينيت بعد غياب صائب عريقات؟ هذا يعني أن الرئيس عباس عليه أن يختار بدقة متناهية الفريق المفاوض والأهم من ذلك الرجل المناسب القدير على إدارة مثل هذه المفاوضات ولا سيما أنها ستجري مع حكومة يترأسها شخص يتبنى آراء متشددة ضد الفلسطينيين.
والسؤال المطروح: هل تستطيع واشنطن تغيير موقف بينيت مما يؤمن به تجاه الفلسطينيين؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com