تسارعت الأحداث وتراكمت منذ اليوم الأول لهذا العام ,عام 2020, وكلها تستحق ان يُكتب عنها مجلدات وليس صفحات فقط
ومقالي هذا يسلّط الضوء على موضوع شبه منسي , ولا اقول انه منسي تماما , في خضّم كل أحداث هذا العام الغريب
أثارت جائحة الكورونا التفكيرَ البشري بأمور كثيرة جداً , وتلزمنا سنوات ليحلل الأنسان ويفهم أبعاد ما حدث وما زال يحدث من أسباب ونتائج على الأصعدة العلمية والصحية والاقتصادية والأجتماعية والسياسية
فقد ضرب الوباء البشريةَ كلها لكن دون ان يكون البشر متساوين ومتشابهين في مواجهته
إذ أنه ,أي الوباء , التقى مع كل انسان في ظروف وأوضاع مختلفة , بسبب السن ,الوضع الصحي, العائلي,الاجتماعي ,الثقافي , ,السياسي
لذلك وبما أن المواجهة كانت مختلفة فالنتائج ظهرت مختلفة من مكان الى آخر ومن انسان الى آخر
أما موضوع كتابتي فلا علاقة مباشرة له بهذا الوباء رغم انه مرتبط به
مَن منا لم يمر بوعكة صحية , صغيرة أم كبيرة ,عابرة أم طويلة , بسيطة أم خطيرة , طبيعية أم نتيجة حادث وصدفة ؟؟ فمهما كانت هذه الوعكة الصحية في أهميتها وخطورتها ,فإن إحساساً بالضعف والعجز لا بد أن يرافقها دائماً
فالإنسان المريض يصبح عاجزاً ,ولو لفترة قصيرة , في حركته ,في إتمام عمله ,في تنقله , في دراسته , في علاقاته وحتى في طعامه ,ويكفي ان ترتفع درجة حرارة الجسم درجة واحدة ليفقد حيويته ونشاطه
يصبحُ المريضُ أو المتوعكُ أسيرَ وعكتِه وأسيرَ عجزِه
أما الأسير أو السجين في زنزانته , فهو معتلً منذ اليوم الأول لدخوله السجن ,يستنشق الهواء الملوث في زنزانةٍ تضمُّ عدداً من الأسرى مثله دون ان يكون هناك مصدرٌ للهواء النقي , يأكل طعاماً بنوعية وكمية لا تفيد ولا تسمن , خالياً من كل فوائد ومقومات الطعام العادي
ينام على فراش غير صحي وغير نظيف ( كي لا أقول "قذر" )
الأسيرُ محرومٌ من الراحة الجسدية والنفسية , فأهله وعائلته وأحباؤه بعيدون عنه , زياراتهم له محدودةٌ بوتيرتها وبمدتها
رويداً رويداً يدخل الأسير في حال من الضعف والنحول
ليتحولَ هذا الأسيرُ الى مريض
أما إن طال الأسرُ وتفاقم المرض فيصبح الأسير عاجزاً عجزاً مضاعفاً , فهو فاقدٌ لصحته وبالتالي عاجزٌ عن القيام بأي عمل , هو أسير زنزانته وجدرانها وبابها الذي يُقفل عليه من الخارج , فيصبح كمن وُضع في خزانة واًغلق بابها
هو فاقدٌ لحريته في الوصول الى علاج أو حتى في طلب العلاج, إذ انه يعيش تحت سلطة ورحمة أناس لا يأبهون به وبصحته
يهملونه ولا يهمهم إٍن عاش أو مات , بل ان موته يسرّهم , ينتظرون الأيام الأخيرة في حياته فيحررونه ويرسلونه الى أهله وعائلته كي يموت خارج السجن, فسلطات السجون لا تريد أسرى موتى , فهذا مضرُّ بسمعة البلد
وفي بلادنا , كم من أسير فلسطيني مريض يُمنع عنه العلاج والدواء وحتى الفحوصات البسيطة ؟ السجون الإسرائيلية تضمُّ بين جدرانها آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين حُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة ,فهل نتخيّل كيف تصبح حال انسان أمضى ويمضي سنوات من حياته في هذه الظروف القاسية ؟ هل نعرف حال مَن يُصابون بأمراض مزمنة أو خبيثة ويحتاجون للعلاج وللمرافقة الطبية فلا يحصلون حتى على الحد الأدنى منها ,يئنون ويصرخون ألماً وما من مجيب ؟؟؟
ماذا يفعل الأسير في حال انتشار وباء كالكورونا مثلاً , الذي ينتقل وينتشركلما اقترب الآشخاص من بعضهم البعض, بينما هذا الأسير يأكل ويشرب وينام في زنزانة صغيرة مكتظة ومغلقة ومن دون شباك أو حتى كوّة صغيرة ؟؟؟
فماذا تقول الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني بما يخص معاملة الأسرى ؟
لقد كُتب الكثير عن بنودٍ في القانون الدولي وفي القانون الدولي الإنساني ,عن اتفاقيات جنيف المتعددة (خاصة السابعة ) والتي تفرض كلها على الدول الموقعة عليها , معاملةَ الأسير بطريقة تحافظ على صحته الجسدية والنفسية قدر المستطاع , وتحافظ على كرامته البشرية
فما هو حال الأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية خاصة عندما يمرض ؟ أعود وأذكّر,كما ذكّرت في الماضي بالتقرير الذي أجرته قبل سنوات ,المؤسسة العربية لحقوق الإنسان والذي يشرح ويفصّل الإهمال الطبي الذي تمارسه سلطات السجون تجاه الأسرى المرضى ,إهمالاً يصلُ الى حد الإجرام
فيتفاقم المرض الى ان يصل الأسير الى حافة القبر فيقضي نحبه ساعاتٍ بعد تحريره وإخراجه من السجن
الأسير الفلسطيني هو " اسير" أي تنطبق عليه كل مواصفات وتعريفات الأسير بحسب القانون الدولي ويحق له ان يًحافَظ على صحته وعلى كرامته
لكن اسرائيل تنزع عنه صفة ألأسير بتسميته "إرهابي" كي تتحرر من واجباتها القانونية والأنسانية ,فهل يكفي ان يُنزع عنه تعريفه الحقيقي لتُنزع عنه صحته وحياته وكرامته البشرية ؟ فيتحوّل الى الأسيرِ المريضِ أو الى الأسير المحكوم عليه بالإعدام ؟؟؟؟