ان الناظر المتأمل والدارس الباحث المتعمق والمتعقب في تاريخ الدول والحضارات, فانه سيجد دونما عناء ان موارد المياه كانت العامل الرئيسي المحدد لمكان ﺇقامة الانسان وﺇستقراره , فأعظم حضارات العالم قامت على ضفاف الأنهار, وتعرض منطقة ما في العالم للجفاف يعد دافعاﹰ قوياﹰ لهجرة البشر منها الى حيث تتوفر المياه, ولقد تصارعت الجماعات على موارد المياه في مناطق ندرتُها. وكان ولا يزال التوزيع الجغرافي للسكان وكثافتهم يتحدد تبعاً لوفرت المياه .
فقد لخص لنا الله سبحانه وتعالى سر المياه منذ ما ينوف عن اربعة عشر قرناً بقوله : "وجعلنا من الماء كل شيئ حي " ,وهناك ما يزيد عن اربعين آية تتحدث عن الماء في القران الكريم .
وفي عصرنا الحديث, عصر الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجيا ازدادت أهمية المياه عند الإنسان والدول, حيث اصبح للمياه استخدامات جديدة في توليد الطاقة والمشروعات الصناعية اضافة الى استخدامها في الرّي والزراعة والإستهلاك المنزلي اليومي. وإذا انتقلنا الى العلاقات بين الدول, نجد ان المياه تلعب دوراً مهماً في التقارب بينها, كما قد تكون سببا في النزاعات الحادة التي تنشأ بينها. حيث ان المياه موزّعة جغرافيا بشكل متفاوت على وجه البسيطة, كما ان الاحتياجات المتعددة للمياه العذبة اكبر من المتوافر منها, فتقدر كميتها بحوالي 3% من جملة مياه الكرة الارضية . ولذلك تكتسب المياه العذبة اهمية كبرى في حياة الدول والامم اذ تعتبر بمثابة الركن الاساسي للأمن الغذائي .
الصراع العربي الاسرائيلي على موارد المياه
يكتسب الماء اهمية خاضة في الوطن العربي الواسع الإمتداد ( 14,2 مليون كم مربع ) , والذي يضم بين جَنَباته اشد مناطق العالم جفافاً , كونه يقع في حزام الصحاري المدارية التي لا تطولها أمطار كثيرة ولا تجري بها أنهار ذات تَصَرُّف يُذكر, والقليل من الانهار الكبرى التي تشقها ( المتمثلة في انهار دجلة والفرات والنيل ) تنبع من خارجها ومن مناطق لا تقع تحت سيطرتها؛ اي ان 65% من الموارد المائية السطحية تنبع من خارج الوطن العربي. هذا الواقع جعل من العالم العربي ان يصطدم بمواجهة تحديات قي سبيل تأمين لقمة العيش وشربة الماء لمواطنيه .
واضافة الى هذه التحديات فقد كان على دول العالم العربي, وخاصة دول الشام المتمثلة بسوريا والاردن ولبنان وفلسطين, وجمهورية مصر الافريقية الشمالية, ان يواجهوا تحدياً اخر يتمثل في المشروع الإستيطاني الصهيوني الذي ولد من رحمه دولة اسرائيل واستقدام الملايين المهاجرين اليهود من اصقاع العالم ليصارعوا اهل المنطقة في السيطرة على اراضيها ومائها .وتصديقا لذلك فكما جاء في احد تصريحات دافيد بن غريون ,في سنة 1955 " ان اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه , وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصيرنا , واذا لم ننجح في هذه المعركة , فاننا لن نكون في فلسطين .
فحتى يومنا هذا يمكن ان نلخص نتائج هذا الصراع وهو كالتالي :
1 – الفلسطينيون عطشى ; حيث ان الاسرائيليون قد باتوا يستولون على حصة الفلسطينيين في نهر الاردن . سلب الاسرائيليين للمياه الجوفية الفلسطينية , من خلال اقامة البؤر الاستيطانية على الاماكن التي تتمتع بوفرة مصادرها المائية ,حيث ان 70% من المستوطنات تقع على حوض الخزان الجوفي الفلسطيني .فخلاصة القول فان اسرائيل تستنفذ 86% من اجمالي المياه الفلسطينية الجوفية والسطحيّة, فبالاضافة الى هيمنة اسرائيل الكاملة على المياه الفلسطينية , فانها تعمدت على عدم تطوير المرافق المائية . حفر اسرائيل لسلسلة من الأبار على طول خط الهدنة مع قطاع غزة وقد ادت هذه السياسة بان 38% من مجموع التجمعات السكانية في الضفة الغربية و 19% من جملة عدد التجمعات في قطاع غزة محرومة من شبكات المياه العامة مما يقتضي بسكان هذه المناطق بالاعتماد على شراء صهاريج المياه باسعار عالية , وعلى حفر ابار جمع مياه الامطار كمصادر بديلة .
إجمالا يمكن التلخيص ان الحركة الصهيونية نجحت في إقامة دولة اسرائيل عام 1948 على نحو 80% من مساحة فلسطين , ورغم انها لم تتمكن من السيطرة على منابع المياة في المنطقة عند تأسيسها , الا انها لم تيأس في تحقيق هذا المطلب , فلقد بدأت في تنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الاردن وذلك بسحب المياه من جسر بنات يعقوب شمال بحيرة طبريا الى صحراء النقب, وبعد نكسة حرب حزيران سنة 1967 , اصبح نصيب اسرائيل من مياه نهر الاردن نحو 40% من متوسط تصريفه السنوي . بعد ان كان نصيبها لا يزيد عن 20% من متوسط تصريفه في فترة ما قبل الحرب. .