رغم الكثير من التحليلات التي نشرت حول "إيجابية" قرار مجلس الامن الدولي القاضي بوقف مؤقت للحرب على غزة، ورغم أن كثيرين من المحللين عربا وغير عرب هللوا وكبروا لهذا القرار، لكن وعلى الأكثر اما ان تناسوا او تجاهلوا عمدا، ان سماح الولايات المتحدة بتمرير القرار هو مجرد خدعة فقط لذر الرماد في عيون من هم ضد الحرب، لإظهار "إنسانية!؟" الإدارة الأمريكية وكأن "قلبها على المساكين" في قطاع غزة. كيف يمكن للولايات المتحدة ان تكون إنسانية في تعاملها مع الفلسطينيين بشكل عام ومع أهل غزة بشكل خاص. اسمعوا الحكاية وفكروا:
لقد صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مئات القرارات الداعمة للحقوق الفلسطينية، وصدرت عن مجلس الأمن عشرات القرارات المتصلة بالمعنى نفسه، فماذا كان الرد الإسرائيلي؟ تجاهل كل هذه القرارات ولم ينفذ منها أي قرار. إسرائيل ضربت بعرض الحائط كل قرارات الهيئة الدولية، فمن الذي يجبرها الآن على تنفيذ قرار مجلس الامن الأخير وهي التي أعلنت رسميا أنها لن توقف القتال، وهي مستمرة في حربها على قطاع غزة،
ليس هذا فقط، فمنذ لحظة صدور قرار مجلس الامن أعاد نتنياهو الحديث عن السعي إلى "النصر المطلق"، وعزمه على اجتياح رفح، وزاد على ذلك هجومه على الأمين العام للأمم المتحدة نفسه معتبرا اياه شخصا معاديا للسامية ومواليا لحركة حماس. كيف يمكن ان تكون واشنطن صادقة في تمرير القرار وهي التي ظلت ستة شهور إلى الآن تقدم كل أنواع الدعم العسكري والمادي والمعنوي لإسرائيل والذي سارعت واشنطن في وصفه بأنه "غير ملزم" فى التنفيذ فور صدوره، تلافيا لغضب إسرائيل. واشنطن تظاهرت بالحرص على العدالة الدولية، لكن واشنطن نفسها سبق لها واستخدمت "الفيتو" لإسقاط ثلاثة مشروعات قرارات سابقة.
الولايات المتحدة اعترضت 114 مرة على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بينها 80 مرة لمنع إدانة إسرائيل، و34 مرة ضد قرارات دعم حقوق الشعب الفلسطيني.
وبسبب دعمها المكثف لإسرائيل في فترة الحرب صارت أمريكا "الدولة المنبوذة" حسب رأي زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الامريكي، تشاك شومر وهو (يهودي) من المؤيدين النافذين لإسرائيل الذي سبق ودعا الى اجراء انتخابات في إسرائيل وطالب باستبدال نتنياهو لأنه "يجر أمريكا معه إلى وضع الدولة المنبوذة عالميا"، على حد قوله.
فما هي الخلفيات الحقيقية التي دفعت واشنطن لتمرير قرار مجلس الأمن؟ هناك عدة أسباب بينها:
الخلاف الشخصي بين بايدن ونتنياهو. الذي طالما انتقد بشدّة حكومة نتنياهو الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل. وهناك الخلاف في المفاوضات على إطلاق الرهائن والتي تشارك فيها واشنطن إلى جانب قطر ومصر. نتنياهو لا يريد التوصّل إلى اتّفاق لإطلاق الرهائن، بل الاستمرار في الحرب. وهناك سبب مهم آخر، وهو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الامريكية التي يترشّح فيها بايدن لولاية ثانية والحرب على غزة تلعب دورا فيها. بايدن المتراجع في استطلاعات الرأي الأمريكي أمام منافسه دونالد ترامب، بحاجة إلى أصوات العرب والمنتقدين للحرب على غزّة.
وأخيراً... بقي علينا القول ان من ارتكب خطيئة عام 1948 في التهجير والاحتلال، هو المسؤول الحقيقي عما جرى على مدى العقود المتعاقبة. ومهما تتغيّر الظروف السياسية، فالمشكلة تظل على حالها: مستوطنون احتلوا أرض غيرهم قبل 76 عاماً.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com