شهر رمضان المبارك أصبح على الأبواب, وهذا يذكرنا كم الحياة تختلف في شهر رمضان عنها في أي شهر آخر من أشهر ألسنه. في شهر رمضان كلما أقترب توقيت آذان المغرب ترى أن كل منا يحاول إنهاء عمله حتى يصل إلى بيته في الوقت المناسب, حتى لا يتأخر عن موعد الإفطار مع عائلته. ألشوارع تخلو ببطء من زائريها وكذلك الحوانيت وبالأخص محالات بيع الحلويات. دقائق قليله ما قبل موعد ألآذان تصبح الشوارع خالية كمدن الأشباح, لا ترى فيها سوى قطط جائعة تفتش عن قطعة طعام حتى تأكلها لتستطيع النوم آمنه ومطمئنة. ولكن ما يذكرك بأن هذه المدن ليست خاليه, هي أصوات مكبرات الصوت, التي عبرها تصدر تلاوة آيات من القرآن الكريم. ولكن وللأسف الشديد تشعر وكأن منافسة بين المساجد, وأي صوت يعلو على الآخر. في كل قرية أو مدينه يوجد عدة مساجد. وكل هذه المساجد تجد أن من المفروض بها أن تضع تسجيلا لبعض الآيات القرآنية الكريمة. ولكن لا يهم من وضع هذا الشريط أذا كان المستمع فعلا يسمع أو لا! فهو لم يسأل نفسه أذا كان واقفا بين 7-8 أشخاص وكلهم تكلموا في نفس الوقت, ماذا يفهم مما يقول كل منهم؟ لا يدري أن لا أحد يفهم شيئاً , وإنما نسمع أصوات مبعثره وضجيج لا غير. أي أننا حتى على تلاوة قرآن واحده لسنا متفقين. ويكفي إيصال المساجد مع بعضها ووضع شريط واحد لتلاوة ألقرآن فقط لا غير. وعندها نستطيع سماع القارئ ألذي يتلو ألآيات الكريمة وكذلك نستطيع التمتع بصوت القارئ الذي تعودنا على ألسماع والإصغاء إلى أصواتهم أمثال عبد الباسط وغيره ممن يجيدون التلاوة!
بعد هذه الفقرة يأتي موعد الآذان, طبعا ما زلنا لم نتفق لا على موعد ألآذان ولا على الصوت الواحد الموحد. يبدأ المؤذن الأول وقد يكون صوته جميلا يجعلك أن تصغي أليه غصباً عنك. ولكن سرعان ما يقطع تمتعك مؤذن آخر وآخر وكل له صوت مختلف وحقيقة بعض الأصوات لا تُسمع بتاتاً. وسرعان ما تصبح ضجة تسمع فيها أصوات متفاوتة لا يفهم السامع منها شيئاً. ناهيك عن المؤذن الذي يبدأ آذانه وكأنه يعيش في دولة أخرى وتوقيته مختلف عن توقيت أصدقائه مع ألعلم أنه على نفس الخط في ألكرة ألأرضيه أي في نفس القرية أو ألمدينه!
في هذه اللحظات أجتمع أفراد العائلة على مائدة الإفطار . أنها صورة جميلة أن ترى ألعائله مجتمعة كلها في نفس الوقت, في زمان نادراً فيه أن يجتمع أفراد ألعائلة معا! قرانا ومدننا أصبحت شوارعها خالية والهدوء يعم عليها, حتى أنك تشعر بأنك في بلد أوروبي في يوم عطله أو يوم الأحد. ولكن ما يكسر هذا الهدوء غالباً ما يكون "موسيقى" ضرب الملاعق والشوك وسكاكين الطعام في الصُحون. كل منا يريد إنهاء المهمة الملقاة عليه. ومعظمنا يريد أن يرضي معدته ويستمر في برنامجه. ولكن نسي بأن المعدة ليست آلة صناعية, يجب الاهتمام بها وكأنها قطعة بلورية, لأنها "معدة وليست قردة"! فإنه يستمر في ألأكل حتى يبدأ بفتح أزرار بنطاله ولا يتوقف إلا عند ألشعور بأوجاع المعدة. وهنا سرعان ما نسينا أن أحد أهداف الصوم هو تعويد ألجسم على طريقة أكل ترجع بالفائدة إلى أجسامنا وليس ألعكس!
أختي ألقارئه أخي القارئ أن ما قرأته حتى ألآن هو معروف لكل منا ونمر به جميعنا. ولكن ما أردت أن أصل إليه هو أهداف ألصوم ألتي لطالما وسرعان نسيناها. ومن هنا أتى عنوان المقال هل صيامنا أصبح عن ألطعام فقط؟ وماذا عن كل العناصر ألمتعلقة بالصوم ويجب أن نحافظ عليها لأنها جزء لا يتجزأ من هذه الفريضة؟ مجتمعنا ملئ بالتعددية فلا يجب التعميم, ومن هنا لا أريد أن أظلم أي إنسان. ولكن كثيراً ما تظهر صفات وتصرفات في مجتمعنا, فإذا ما حصلت في أشهر أخرى, قد نمر عليها مر الكرام. أما إذا ظهرت في هذا الشهر المقدس, سرعان ما تلفت النظر!
أحدى ألصفات ألتي يجب أن يتحلى بها ألصائم في هذا الشهر هي ألصبر والمسامحة. فكل منا إذا نظر وأحتك بالناس القريبين منه, فنجد أن بعضنا "فيوزاته محروقة" وتبادل أسخف كلمه قد تؤدي إلى اقتتال لا تحمد عقباه! بأسرع وقت ممكن نسي البعض أنه صائم ويجب عليه مسامحة الغير, ووجب عليه الصبر, لأن هذا أحد أهداف ألصوم. ألصوم يجب أن يعلمنا أن نصبر أولاً مع أنفسنا وثانيا مع ألغير. والصبر يجر ورائه ألمسامحه.
ألهدف ألآخر هو ألشعور مع الفقير. آسف أن أقول هذا وأتحدى أي إنسان يصوم ويتدَعي ألشعور مع الفقير! لا وألف لا لأن هذا ألشهر أصبح شهر ألتبذير والإسراف في مجتمعنا وفي عصرنا هذا. قبل بداية رمضان يذهب ألناس لإقتناء مشترياتهم, وعندما يشترون تشعر وكأنهم مقبلون على حرب قد تنقطع المؤن , أو كأنهم يشترون لليوم, وغداً يصبحون من تعداد ألأموات ولعلهم لا يستطيعون شراء أخر حاجياتهم قبل ألممات. أين أصبح ألشعور مع ألفقير؟ فلو كان ألفقير مرافقا لأحد ألمشترين لمات قهراً. لأنه لا يستطع شراء 1% مما يشتريه معظمنا! أذا نظر كل منا من حوله لوجد جاراً له, ليس له نفس ألإمكانيات ألماديه, وترانا لا نأبه لمشاعره. فهل هذا ما يطلبه منا شهر رمضان الكريم؟ أن الله لا يحب التبذير والإسراف, وما بنا نتدَعي عبادته ونحن نخالف تعاليمه!؟
شهر رمضان الكريم هو شهر يجب فيه التحلي بالأخلاق ألحسنه, والابتعاد عن ألفحشاء والكذب. ولكن بعض ألأحيان يتهيأ لنا ألعكس هو ألصحيح, وسرعان ما يثبت لك بأن هذا ألشعور ليس أوهاما إنما صحيحا. وللأسف ألشديد تكثر ألفحشاء "ومهنة ألكذب". ومثالا على ذلك تاجراً يربي لحيةً, وهذه أللحية ألتي تدل على ألتدين. أشترى بضاعة ولم يدفع ثمنها بحجة عدم توفر ألسيوله. ولكنه يوعد ألبائع عندما يعمل في ألبضاعة ويستطيع بيعها, سوف يتصل بالبائع ليدعوه إلى تسلم حقه من ألنقود. ورغم بيع البضاعة, ومرور أياما على ألبيع, لا شهر رمضان ولا الأخلاق ولا أللحية ولا ألله يذكرونه بأن عليه ديون ويجب عليه دفعها. وعندما أتى ألبائع ليطلب حقه, أصبح هو عديم ألأخلاق لأنه يطالب في حقه. ونسي صاحب "أللحية" المتدين بأن هذا ألبائع له حق, وله عائله وعليه أن يوفر لقمة ألعيش لأطفاله. ونسي ألمقوله: قطع ألأعناق ولا قطع ألأرزاق! ورغم هذا يكذب ليقول له بأنه لم يبع من ألبضاعة ولم يملك ألمال. وهذا لا يردعه من الحَلفان في الشهر المبارك, وصومه لم يمنعه من ألكذب على صديقه ألتاجر والذي بدونه لا يستطع ربح لقمة عيشه! فعندما تسمع قصة كهذه لا تشعر بالامتعاض, إلا عندما تراها بأم عينيك وتسمعها بأذنك. فتروح لتسأل ربك ألرحمة والمغفرة لكل صائم. حقيقة هذا يحدث في أيامنا هذه, في أيام رمضان, ألأيام ألتي أتت لتذكرنا بالتحلي في الأخلاق ألحسنه والابتعاد عن ألكذب. هل فكر هذا الصائم ألمتدين في صيامه؟ وهل فكر في أهداف صيامه؟
وكذلك أمر السرقة, أن ألله حرم السرقة في جميع الديانات ألسماويه. وفي مجتمعات أخرى سُنت قوانين تمنع ألسرقة, ومن يسرق يعاقب. ولكن رغم ألقوانين ألسماوية والاجتماعية نجد أن بعض أعضاء مجتمعنا لا يكترثون للقوانين ولا يتذكرون بأنهم في شهر مقدس, ويجب أن يحترموا قداسته. وإنما يتناسون أنهم صائمين. وحتى أنهم يذهبون بعيداً لأنهم يسرقون ألماء ألذي يشربونه ويغتسلوا به ويستعملوه للوضوء حتى يذهبون إلى ألصلاة طاهرين. ألسؤال ألذي يسأل نفسه هو: هل ألله حلل ألسرقة ونحن لا ندري؟ أو أن سحب ألماء من قبل عداد ألمياه لا يعتبر سرقه؟ أو أن استعمال ألمياه دون دفع ثمنها لا يعتبر سرقه؟ نعم أنها سرقة ..سرقة ..ثم سرقة!
أن شهر رمضان جاء ليذكرنا في ألصفات ألحميدة ألتي يجب أن يتحلى بها ألمؤمن وليس ألعكس. والتدَين ليس بالمظاهر وإنما بالأفعال. وكم كنت أتمنى أن يكون هذا ألشهر شهر ألوحدة, نسمع فيه صوت مؤذن واحد صاحب صوت عذب السمع بدل الأصوات ألمتفاوتة. وكما أتمنى سماع صوت قارئ واحد لآيات قرآنيه نستمتع في سماع صوته. وكم أشتاق أن أشعر في ألصبر والتسامح بدلاً من ألحقد والاستفزاز ألسريع ألذي يجر إلى ألشجار. وكم كنت أود ولو لشهر واحد أن يشعر ألغني مع ألفقير ويكف ألصائم عن ألتبذير. وليتني حين أمشي في ألشارع أرى وأشعر حسن ألتعامل بين ألناس. ويا ليت كل منا يسأل نفسه : ماذا عملت أنا لبلدي, وليس ألعكس ماذا عملت بلديتي لي؟ وبدل أن نسمح لأنفسنا بسرقة ألمياه أو أي شيئا أخر, لنهرع لدفع ثمن ألمياه ألتي نشربها ونغتسل بها, كما ندفع ثمن مكالمات ألتلفون. فإذا تبعنا تعاليم ألصوم وامتثلنا بها , قد نصنع مجتمعا صالحا أكثر ونبني مجتمعا يهتم في تطوره وتحسين علاقاته ألاجتماعيه.
بقلم المحامي سامي أبويونس