افينداف بيجن:
"الزناد الذي تمتلكه الديمقراطية والدكتاتورية يسبب نفس الدمار والخراب"
"ان تمييز الأوهام بمثابة شرط إجباري للتحرر منها، إذا كان الإنسان يعبد النجوم والأوثان، الآلهة القديمة لن يتمكن من الاستيقاظ من هلوساته"
"ان التحرير المطلوب من بني البشر لا يمكن ان يتم فقط من خلال المظاهرات الجماعية، إحراق رموز النظام.. الانتفاضات ضد الظلم والطغيان إلزامية لكنها غير كافية"
لا يمكن ان تشكل الثورات بصيص أمل جديد للإنسانية طالما ارتكزت على الأكاذيب. ثورة الضباط الأحرار في مصر، ثورة أكتوبر في روسيا، او الثورة الفرنسية وغيرها وغيرها من ثورات طالبت بالحقيقة وارتكزت إيديولوجيتها على محاربة الظلم، الإصلاحات بالغبن التاريخي، ومحاربة عدم المساواة. ثورات حققت تغييرات جذرية في حياة الملايين من البشر، خلقت تقاليد جديدة لكنها سببت دمارا كبيرا، حروبات ومعاناة.
ملزمون بالدفاع المتبادل
القوى الحاكمة أو الثورية كأداة شرعية وإجبارية تعمل من منطلقات أخلاقية ودون عملها سيتم المس بالمجموعات التي تطلب بتطبيق حقوقها الطبيعية ان كانت اقلية ام اكثرية تعيش تحت القمع. هكذا تعمل الثورات منذ القدم على مبدأ "القيم" الذي ينبع من افكار تنسج في عقول البشر وتعالج في عملية التربية لتنقل الى مجموعات سكانية آخذة بالازدياد من العائلة الى القبيلة الى دول عظمى وحلفاء ايديولوجيين ملزمين بالدفاع المتبادل من اجل ضمان بقائهم. لكن ثورات التغيير الجذري للجنس البشري، تغيير جذري وعميق بالحريات يستدل منها، ليست قابلة للتحقيق دون الحقيقة.
من غير المعقول ان تكون الحرية دون الحقيقة، هذا شرط أساسي لا يقدر الإنسان على قبوله، دون الحقيقة النسبية، كحقائق النصرانية الأبدية، الإسلام واليهودية حيث يرضع نصف سكان العالم تأثيراتها المدمرة منذ الصباح وحتى المساء، كعبادة الأصنام كما يفعل مليار شخص في الهند. او الماوية التي تكرر مبادئها وتعاد بعناية على يد مليار و 300 مليون شخص باللغة الصينية. الحقائق الاقتصادية، الاجتماعية، الفلسفية، الدينية، وأوهام لا يمكن عدها.
نشر الأيديولوجيات
هذه الأوهام التي تذوت في هوية الإنسان تنتج ديناميكية اجتماعية مشوهة. المباني السياسية في العالم والتي تستمد سلطتها والاعتراف بكيانها الذاتي والمستقل ولها حق بالتعريف الذاتي والدفاع عن حدودها التعسفية، يجب ان تُفض.
للديمقراطيات في هذا المفهوم لا ميزة على آخر الدكتاتوريات، فالزناد الذي يمتلكانه سيسبب نفس الدمار والخراب. التناقض المبني في تعريفهم ككيان يتمتع بحكم ذاتي تعمل لتحقيق حقيقة عالمية من الحرية وقدسية الحياة من خلال الحروب تؤدي إلى المعركة الأخيرة في المسرحية البشرية. للديمقراطية قيمة عظيمة كجهاز تنظيمي للبشر، لكن ليس كأداة لنشر الأيديولوجيات التي تتطلب القوة والسيطرة.
ميدان التحرير ليس سوى نقطة صغيرة، لكنه جزء من التغيير في وعي الجمهور في مئات آلاف السنين الأخيرة، وهذا جزء في التسلسل لهدم الحواجز والتغيير الذي ليس بالإمكان توقع انعكاساته الاجتماعية. وما بالامكان توقعه هو ان التصعيد الذي لا يمكن منعه والمواجهة البشرية مع تطور التكنولوجيا ستؤدي الى الإبادة التامة في حرب ذرية.
حرية الاختيار وحرية التعبير
العالم أصبح متطرفا أكثر، وتزداد حدة العنف بين انفجار وآخر، في الفقر والمرض حيث تزداد أبعاده وانعكاساته ولا يريد ان يسمع أي شخص عنه او يشاهده.
اذا اراد الانسان الحرية في مصر وسورية، حرية في انغولا والصين، ليس فقط حرية الاختيار وحرية التعبير ، انما حرية إدراك الواقع دون أية شروط.
ان تمييز الأوهام بمثابة شرط إجباري للتحرر منها، إذا كان الإنسان يعبد النجوم والأوثان، الآلهة القديمة لن يتمكن من الاستيقاظ من هلوساته، هذه الهلوسات عن الانبياء، الملائكة، الأمراء، الدول والأمم.
قبل ألف عام كانت الإقطاعية واضحة كالشمس، واضحة كالحنطة التي تنضج في الصيف، حقوق السيد الإقطاعي لم تكن مختلفة عن الهوية التي لا أساس لها للتعريف الذاتي والتي تم قبولها كشروق الشمس على معظم البشر. الاعتراف البشري النابع عن الانصياع للتقاليد والخوف من التغيير لا يمكن ان يفرق بعدم الآهلية التي تلف المجتمع وتفرض عليه صراعات القوة والتقسيم الخالد.
ان التحرير المطلوب من بني البشر لا يمكن ان يتم من خلال المظاهرات الجماعية، إحراق رموز النظام، الانتفاضات ضد الظلم والطغيان الزامية لكنها غير كافية. يجب ان يتم التحرير بالاعتراف البشري، في الانسان نفسه، في العلاقة بينه وبين أولاده، بين معارفه والغرباء عنه، طريقة تفكيره، احاسيسه، نهج حياته وتحديد حدوده، بالشكل الذي ينظر فيه، يتغذى ويغذي تخوفاته.
*مؤلف كتاب "إنهاء الصراع" www.theendofconflict.com/ar
صورة من ثورة مصر
صورة من ثورة سوريا