لونا اشتي:
التوجهات التقليدية لمكانة المرأة في المجتمع يجعلها ضحية سهلة للعنف بكل أنواعه
يؤدي العنف الاقتصادي الى تهميش دور المرأة من مشاركتها الاقتصادية والكثير من الانتهاكات لحقوقها الأساسية
كيف لحبي اللامتناهي لأمي أن يوقعها في دائرة العنف؟ كيف لمشاعري المخلصة اتجاهها أن تكون سبباً في مأساتها؟
اعتبار الأم الكائن الأعظم في هذا الكون هو في الواقع ظلم كبير لها. في هذا التوجّه توقّع ظالم وغير محكي بأن وظيفة الأم الأولى والأخيرة هي تهميش ذاتها والتضحية الكبيرة لمصلحة العائلة والمجتمع.
تصوير-מייקל בוכמן
بإمكان الحب أحياناً أن يكون السبب الأول لوقوع الأم في دائرة العنف الأسري. في هذا المقال, لا أحاول أبداً اثارة الجدل و لكن جلّ ما أسعى اليه هو تقدير الأم كإنسان و ليس فقط كأنثى. فالأنثى هي إجابة عن توقعات مجتمعية. عليها أن تكون ابنة فلان , زوجة فلان و أم فلان و لا أحد يتوقع أن تكون هي! في هذا التوجه كثير من الفصل العنصري وتحديد مسبق لمهام المرأة من الولادة الى الممات. كثيرة هي الأحيان التي يغيب عن أذهاننا كلياً أن الأم هي إنسان أولاً وسيدة ثانياً. بمعنى أن حضور المرأة واندماجها في المجتمع في شتى المجالات طبيعي واعتيادي بل وأساسي لصياغة بيئة متوازنة وصحيّة.
التوجهات التقليدية لمكانة المرأة في المجتمع يجعلها ضحية سهلة للعنف بكل أنواعه. وظيفتها كأم مثلاً تشرّع ممارسة العنف الاقتصادي اتجاهها كونها غير متفرغة للعمل. العنف المبني على النوع الاجتماعي, يبدأ بشكل تدريجي باستخدام أساليب التمييز في التعامل و التربية مما يرسّخ في عقل الفتيات و الفتيان أن الانثى تبقى في احتياج دائم للحماية, للدعم المادي و الارتباط بالرجل مما يؤدي الى انعدام الثقة بالنفس و شعورها بأنها لا يمكنها الاعتماد على نفسها وتأمين احتياجاتها الرئيسية.
هذا يعني, حتى و ان كانت تملك المال فهي غير مستعدة للتصرف به بشكل مستقل و ستقوم بشكل تلقائي بالاعتماد على الرجل في حياتها فيما يتعلق بالإدارة المالية. من شأن هذا الارتباط أن يجعلها أكثر عُرضة لتقبل كل أنواع الأذى و الاستغلال الجسدي و الإذلال المعنوي من أجل الاحتفاظ بدرجة قليلة من الأمان المادي و الاجتماعي.
العنف الاقتصادي ضد النساء رغم أنه ليس بالضرورة مرئي للعين, الا أنه لا يقل خطورة عن العنف الجسدي, اللفظي, النفسي و غيرها من أشكال العنف الأسري بل انه يعيد انتاج العنف بكل أشكاله. الإنسان المرتبط مادياً بشخص آخر يمارِس عليه السلطة و القوة، يكن قليل الحيلة, كثير الاستسلام مما يجعل الطرف المعنِّف متمادياً, وقحاً و خطير جداً.
فما بالك بالأم، التي تحمل على عاتقها أطفال متعلقين جلّ التعلق بقرارها، فتخاف منه، تستسلم لجبروته وتدفن نفسها حيّة.
حسب بحث شامل تم اجراؤه في الولايات المتحدة عام 2008 والذي شمل دراسة 103 حالة للنساء ضحايا العنف في الملاجىء يشير الى أن 98٪ من النساء يعانون أيضاً من العنف الاقتصادي.
يؤدي العنف الاقتصادي الى تهميش دور المرأة من مشاركتها الاقتصادية والكثير من الانتهاكات لحقوقها الأساسية. له أشكال عديدة تقع ضمن عدة محاور منها: منع النساء من الحصول على الموارد المالية والاقتصادية بما في ذلك الدخل, ملكية البيت, الميراث, برامج التوفير و غيرها ومنعهن من استخدام مواردهن المالية و التصرف بها بشكل حر عن طريق الحرمان, الاكراه أو المنع.
التقليل من هذه الظاهرة متعلق بعدة أمور أهمها الخطوات و القوانين التي تسنها السياسات الحكومية, دوائر المشغّلين و الحقوق العمالية, الثقافة الاجتماعية اتجاه دور المرأة في المجتمع , تمكين و توعية مالية للنساء و أيضا على المستوى العائلي مشاركة المعلومات و التخطيط المالي و الشفافية المطلقة بين الزوجين.
فيما يتعلق بالسياسات الحكومية, قد صادقت اللجنة الوزارية للتشريع مؤخراً على اقتراح قانون حكومي قامت بصياغته جمعية الروح النسائية – وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على مساعدة النساء ضحايا العنف على الاستقلالية المادية, يهدف الى محاربة العنف الاقتصادي في العائلة بحيث يتم تعريفه كعنف و التعامل معه قضائياً من خلال المحاسبة أو تقديم دعاوٍ و تعويضات.
الى حين مرور هذا الاقتراح القراءة الثانية و الثالثة و تشريعه بشكل قانوني, بإمكاننا جميعاً التأثير, التغيير وانقاذ سيدة ربما تكن صديقة, ابنة, زميلة او جارة عن طريق الوعي و الارشاد. علينا أن نكون فطنين وواعين لهذه الظاهرة حتى نتمكن من التوجيه الصحيح في الوقت الصحيح. والأهم من ذلك كله, أن ننشئ أطفالنا على التساوِ, الاحترام و الاستقلالية المادية ذكراً كان أم أنثى. عندما نفعل ذلك, لن نكون بحاجة هذا القانون..
لونا اشتي
مديرة برامج في جمعية الروح النسائية, الاستقلالية المادية للنساء ضحايا العنف