أنا، من أمّي وأبي،
سقطْتُ مثلَهما دونَ أنْ ندري بيَدِ القدَرُ،
كبرتُ وهما على أرضٍ حافيةٍ من الزّرعِ والجَذْرِ
وكانَ علينا أنْ نحَصِدَ الغِلالَ ونرقّشَ الصحراءَ بكرْمٍ أخضر.
أُطلُّ على امتدادٍ بعيدٍ، يضطجعُ بينَ أحضانِ الهضابِ العالية.
أتلفّتُ كعصفورٍ عالقٍ على أكمَةٍ أوْ أيكةٍ يابسة في بيداءَ واسعة.
عصفورٍ تاه عمّا اشتهى، عن غصنِ وردٍ غضٍّ في حديقة،
وصار رهينًا لشوكِ الشجر.
شجرٍ محرومٍ من قُبُلاتِ السماء،
من ندَى المساء، من ضوءِ القمر وماء المطر.
آهٍ , آهٍ، يا لشوكِ الشجر!
قالوا :
هو القدرُ, هو القدر.
وقالوا:
أفتحْ بوّابةَ الفجرِ بالصّلاةِ على الرُسُلِ والأنبياء
صلّ عليهم صباحًا وأقرأ الإنجيل
وفي المساء، استعذْ من همَزاتِ الشيطانِ بتلاوةِ القران .
هكذا فعلتُ، لمْ أنسَ قيامَ اللّيلِ والتهجّدِ
وفي ليلة القدْر، دعوْتُ اللهَ علّ السماءَ تنفتحُ ويصيرُ لي في الجنّةِ منزلٌ أوْ عنوان.
قالوا ثم انصرفوا ...
وبقيتُ في عزلتي مع آخرَ,
اثنان يتحاربان إذا ما جنّ اللّيلُ وانبلجَ الفجرُ.
أنا الطيّعُ الصاغرُ، نورُ ملاكٍ، لا أعاكسُ فتياتِ الحيّ،
ولا أجنحُ عن وصايا أمّي وأبي, فهما الوالدان.
وأنا العبثيّ، جنونُّي الحلمِ لا أصلّي،
لكنّي أرقدُ تحتَ جناحَيّ الله في التجليّ،
وأرى أناملَكِ أصابعَ ضوْء على شمعدان.
عبء أنا عليّ على زماني على خيالي وليلي،
أهو القدرُ أم شوكُ الشجر؟
أنا في الوجودِ اثنان،
واحدٌ تجرفُه نشوةُ الاقتراب, وآخرُ يُؤثرُ البُعدَ والاغتراب,
قريبان كروحِ الله إلى قلوبِ الأنبياء ,
بعيدان كشهوةِ الغنيّ إلى خبزِ الفقراء.
افتِنِي يا " جون بول سارتر"
كيفَ لمْ أغزِلْ بكفيَّ قطْنَ روحي وأوْكلتُه لكفِّ الزمان!.
يا " سارتر":
أردْتُ أنْ أمرّغَ قلبي بمزيدٍ من وردِ الحقول
فقطّعْتُ عمري بين الشوكِ عالقا كعصفورٍ مكسورِ الجناحِ حبيسِ القدر.
قالوا:
هو القدر هو القدر .
افتِنِي يا " سارتر"
بما ملكَ فكرُكَ من أسرارِ العبَثِ والوجود ,
علّني أغفو تحت ضوءِ قمرٍ بعيدٍ, وأكتبُ نصّا عن بهاء الصبح
وتجاعيد النهار.
تعبْتُ من تحليقِ الخيالِ فوق الضباب ,
والسفرِ عبرَ التلال والهضاب،
أرهقَني البحثُ عن تضاريس بلدي،
عن عاداتِ الروح، عن معاني الفناء الخلود .
افتِني لأصرخَ:
أيّها الوجودُ أنا واحدٌ اثنان
متشابهان صديقان، لا يغتربان، ولا يتنافران.
افتِنِي،
كي أطيّعَ الغيمَ ولنَبري ينهمرَ المطر
ثمّ أرفعَ هذا السياجَ بساعديّ أفردَ في الفضاء جناحيّ
أحطَّ على تلّةٍ بعيدة
وأصيحَ:
أنا منْ روّضَ القدَر
أنا منْ روّضَ القدر.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com