هاتفني صديقي الشّاعر والنّاقد واللغويّ البارز أ
د
فاروق مواسي مساء يوم الجمعة 19 حزيران 2020 وأخبرني أنّه سيدخل غدًا مستشفى شيبا تل هشومير في تل أبيب لإجراء عمليّة جراحيّة لقلبه في يوم الاثنين القادم بعد أن أكّدّ له الأطبّاء المختصّون ضرورتها فتمنّيت له السّلامة ثمّ قلت: لم يعد هذا النّوع من العمليات الجراحيّة خطرًا على حياة المريض كما كان قبل سنوات
وعلمتُ فيما بعد على لسان السّيّدة زوجته أنّني كنت الوحيد من خارج العائلة الذي أعلمه بذلك، وهذا يقول لي الكثير
زعم الأطبّاء أنّ العمليّة الجراحيّة نجحت ولكنّ أخي فاروق غادر الحياة التي أحبّها كثيرًا ظهيرة يوم الجمعة 26 حزيران بعد أن قضى أربعة أيّام في غرفة العلاج المكثّف، فانطوت صفحاتٌ من سِفر صداقةٍ متينةٍ بيننا عمرت ستّين عامًا، تزاورنا فيها عشرات المرّات وقضينا معًا ساعات ممتعة في بيتينا، وربطت علاقة مودّة بين زوجتينا، وأحبّه أولادي ونادوه "عمّو فاروق"
كان فاروق شاعرًا وناقدًا وباحثًا وقاصًّا ولغويًّا قديرًا، كان لسان عربيّتنا ومعجم أدبائنا، ولقبّه البعض منّا "كُشاجم" تيّمنًا بالأديب العبّاسيّ الذي عاش في القرن العاشر وألّف "أدب النّديم"
كتب فاروق دراسات أدبيّة هامّة مثل "أشعار الدّيوانيّين" وهي رسالة دكتوراة عن مدرسة الدّيوان المصريّة كما كتب "لغة الشّعر عند بدر شاكر السّيّاب" و"القدس في الشّعر الفلسطينيّ الحديث و" هدي النّجمة" كما نظم أشعارًا جميلةً للكبار وللصّغار وألّف العديد من الكتب المدرسيّة شارحًا فيها النّصوص الشّعريّة والنّثريّة في منهاج الدّراسة للمدارس الثّانويّة ليصقل ذوق الطّلاب ويدخل وإيّاهم في ثنايا فنّ الشّعر وفنّ النّثر على أنواعه متذوّقين وعاشقين للأدب العربيّ، كما قدّم للطّلاب مؤلّفه "دروس في النّحو والصّرف" ثمّ "دروس في النّحو والإعراب" ليحافظ على سلامة اللغة التي يعتبر فاروق وأبناء جيله من الأدباء حبّها وعشقها والمحافظة على سلامتها قضيّة قوميّة ووطنيّة، قضيّة بقاء ووجود، وهويّة وصمود
كان فاروق يتنقّل من مدرسة إلى كليّة إلى جامعة إلى نادٍ في بلادنا وفي الخارج، حاديًا جمال اللغة العربيّة، نحوها وصرفها، شعرها ونثرها، معانيها ومبانيها، نائمًا ملء جفونه عن شواردها، غارسًا في متلّقيه حبّها وعشقها، ناطورًا ساهرًا على صحّة الكلام ودقّته كتابةً وقراءةً، مرجعًا معتمدًا للمدرّسين والأدباء والباحثين، مُنجدًا لكلّ طالب ودارس في البحث عن آية كريمة أو بيت شعرٍ منذ حرب البسوس حتّى صفقة القرن
أبو السّيّد صاحب القلب الكبير خذله قلبه، وصاحب الإطلالة البهيّة التي أفلت بدون سابق انذار، وصاحب الضّحكة المجلجلة التي خمدت كدويّ الرّعد في الصّيف، وعاشق الحياة التي أدارت له ظهرها
اشتّقّ فاروق كلمات جديدة للغتنا مثل كلمة "حفّود" ومؤنثّها "حفّودة" أي ابن أو ابنة الحفيد أو الحفيدة وكلمة "حتلنة" وعندما شاركنا في تأسيس اتّحاد الكتّاب العرب في البلاد في العام 1987 وانتخبناه نائبًا للرئيس اشتّقّ كلمة "نئيس"
لا أنسى حماس أبي السّيّد للقائمة المشتركة والعمل على نجاحها واتصالاته الهاتفيّة العديدة بي ليطمئنّ مني على التّوفيق بين مركّباتها
أحزنني فراقك يا فاروق، يا " أخي إلى الأبد" كما كنت تكتب لي في رسائلك وفي إهداءات كتبك السّبعين إليّ، وأوجعني هذا الفراق لأنّني لم أتمكّن من تشييعك إلى تراب الوطن الطّاهر الغالي